للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تستعرض الماركسية تأثير الظروف التي اكتنفت نشأة الفلسفة على تحديد مفهومها, فتذهب إلى أن تاريخ الفلسفة هو عبارة عن تاريخ الصراع الدائم بين نظرات, أو تقييمات مختلفة عن العالم ويعكس في الحقيقة طبيعة ومجال الصراع بين القوى الاجتماعية التقدمية, والرجعية في عصور مختلفة.

ومن هذا المنطلق يتحدد ظهور الفلسفة بعصر انقسام المجتمع إلى طبقات, وانفصال العمل الفكري عن العمل الجسماني, وظهور العلوم١.

لقد بدأ الناس في ذلك العصر يفهمون العالم المحيط بهم نظريا, وحين لا يقنع الفكر بالظواهر المباشرة كان يميل إلى النفاذ في جوهر الأشياء ويعكسها في المفاهيم, وبذلك بدأ الناس التفكير في مسائل جوهر العالم ككل وأسباب ظهوره وتنوعه, أي: إنهم كانوا يسعون إلى تفسير العالم من ذاته, ممهدين السبيل إلى ظهور أولى التصورات الفلسفية. وهكذا برزت الفلسفة كشكل معين لمعرفة الواقع.

من الأمثلة على تلك المحاولات المبكرة ما ذهب إليه الفيلسوف الإغريقي القديم هيراقليطس من أن العالم هو نار حية أبدًا تشتعل بموجب قوانين وتنطفئ بموجب قوانين, وهي محاولة لتفسير العالم من العالم ذاته ولاكتشاف الوحدة الداخلية لكل الأشياء المحيطة المتنوعة.

لكن الفلسفة في المفهوم الماركسي ليست فقط شكلا لمعرفة الواقع كأي علم آخر, وإنما تتميز عن العلوم الأخرى بأنها نظرة أو فكرة عن العالم. فنظرة الناس عن العالم التي تعبر عن علاقتهم بالواقع ترتبط قبل كل شيء بوضعهم في المجتمع, وبمصالحهم.

لهذا, فإن نشأة الفلسفة وتطورها تتحدد مباشرة بالمصالح المادية للطبقات المختلفة في المجتمع, وتبرز كشكل للأيديولوجية. تستخلص الماركسية من ذلك


١ ف كللي، م. كوفالزون, المادية التاريخية، تعريب أحمد داود، دمشق ١٩٧٠، ص٥٤٥.

<<  <   >  >>