للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون مقياس صحة تفكيرهم هو مدى ما يحققونه من نجاح. فكل بحث وراء الحقيقة ليس إلا طريقة لإيجاد وسائل تخدم حياتنا العملية, أي: إن الفكرة خطة يراد بها تحقيق فعل من الأفعال١.

وقد امتدح جيمس ذلك الإسهام بقوله: إن الأفكار, وهي جزء من تجربتنا تصبح صحيحة بقدر ما تساعدنا على الدخول في علاقات مرضية مع جوانب أخرى من تجربتنا. وأية فكرة تحملنا بنجاح من جانب من تجربتنا إلى جانب آخر، رابطة الأشياء بشكل مرض، وتعمل بأمان، وتبسط الأمور, وتوفر الجهد هي فكرة صحيحة، أي: صحيحة كوسيلة أو كذريعة. هذه هي النظرة الذرائعية إلى الحق, أو يمكن القول: إن الحق في أفكارنا يعني قوتها وقدرتها على "العمل".

من هذا يتضح أن البراجماتية تختلف مع الفلسفة التقليدية من حيث المفهوم والوظيفة. فالبراجماتية تنفر من تبديد النظر العقلي في حقيقة الكون وطبيعة الموجودات ومبدئها ومصيرها. وهي أيضا لا تقصر الفلسفة على مجرد البحث الأكاديمي في المبادئ العامة, والعلل الأولى.

من جهة أخرى اختلفت البراجماتية مع الوضعية المنطقية. فقد رأينا كيف اتجهت تلك الفلسفة الأخيرة إلى اعتبار القضايا الميتافيزيقية غير ذات معنى، وإنكار إمكانية وصفها بالصدق أو الكذب. على العكس من ذلك اتجهت البراجماتية إلى قبول المعاني الميتافيزيقية دون بحثها عقليا إذا ترتبت على قبولها منفعة أو فائدة عملية. إن مهمة الفيلسوف ليست بحث المشاكل ووضع النظريات حلا لها، وإنما تحولت الفلسفة في مفهوم تلك المدرسة لتصبح مجرد رجل يفكر لتحقيق منفعة عملية، وصارت آية الحق النجاح وآية الباطل الفشل.


١ John Dewey, "Development of Americcan Pragmation", in: Contemporary American Philosophy Vol. II, pp.
W. James, Pragmatism op. cit., p. ٤٩; cf Th. Oizerman, Problems of The History of Philosophy, op. cit., p. ٤٥٢.

<<  <   >  >>