للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن السمة الأساسية التي تميز التاريخ عن غيره هي أن محور اهتمامه هو الماضي, وبشكل أخص مرحلة زمنية محددة وتسلسل أحداث معينة في نطاق تلك المرحلة. ونستطيع التمييز بين التاريخ, وبين غيره من العلوم من تحديد نوع الفعل المستعمل, وما إذا كان في الماضي أم المضارع أم المستقبل.

يعتبر من قبيل الدراسة التاريخية مثلا البحث في السلطات التي خصصت لمنصب رئيس الولايات المتحدة, وكيفية تطور تلك السلطات. قد تلقي الدراسة بعض الضوء على السلطات الحالية لذلك المنصب, ولكن ذلك يتم بشكل غير مباشر ومن خلال استكشاف الماضي١.

مثال آخر للدراسة التاريخية التغيير الذي طرأ على أسلوب ممارسة الشورى في الإسلام. فبعد أن كانت هي الأداة التي تم عن طريقها اختيار ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة لتولي أعلى منصب في الحكم الإسلامي الجديد، لاحظنا أنها فقدت دورها بعد تحول الخلافة على يد معاوية إلى ملكية وراثية.

لم تعد الشورى أسلوبا لاختيار الحاكم, وإن استمر وجودها الشكلي ممثلا في قيام ذلك الحاكم بأخذ رأي أهل الحل والعقد في بعض شئون الحكم. لكن استطلاع رأى هؤلاء لم يكن يقدم أو يؤخر في شيء؛ نظرا للتغير الذي طرأ على تكوينهم, فصاروا من عصبية الحاكم وقبيلته وليسوا من عيون القوم وقادتهم بغض النظر عن وضعهم القبلي أو الاجتماعي كما كان الحال قبل حكم بني أمية٢.

ولتوضيح القول بأن هناك اختلافات بين خصائص المداخل التاريخية نشير إلى أن أحد هذه الاختلافات يرجع إلى مفهوم المؤرخ للهدف الذي يسعى


١ Dyke. pp. ١١٧, ١١٨.
٢ Muhammad Mahmoud Rabie, The Political Theory of lbn Khaldun, op. cit. pp. ١٠٦, ١١٠.

<<  <   >  >>