للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتكاد تجمع آراء المؤرخين للحضارة والفلسفة والعلم من أمثال سانت هيلير, وديورانت, وسارتون على أن الشرق القديم قد سبق اليونان إلى ابتداع حضارات زاهرة ترتكز على علوم عملية ناضجة, ودراسات نظرية متقدمة, وخاصة في مجال الدين والعقائد.

ففي العلوم العملية، أشاروا إلى سبق المصريين في ابتكار الرياضة والكيمياء والميكانيكا وإنشاء علم الطب والكتابة وتأليف الكتب. كما أشاروا إلى سبق البابليين والكلدانيين في مجال بناء المكتبات وفي مجال الفلك, إذ لاحظوا أجرام السماء وقالوا بوجود نظام كوني, فوضعوا تقويما دقيقا يقسم السنة إلى اثني عشر شهرا والشهر إلى أسابيع والأسبوع إلى أيام والأيام إلى ساعات, كما تنبئوا بظواهر الكسوف والخسوف، واهتدوا إلى تقسيم الدائرة إلى ٣٦٠ درجة.

في التفكير النظري الديني، أحرز الشرق قصب السبق على الغرب في النظر العقلي في موضوع الألوهية والبعث, والخير والشر, والمبدأ والمصير, وتوصلوا في كل ذلك إلى آراء تردد صداها فيما بعد لدى فلاسفة اليونان القدامى مثل طاليس الذي رد الموجودات إلى الماء, متأثرا في ذلك بالبابليين.

ويرى الفيلسوف الإنجليزي المعاصر برتراند راسل "١٨٧٢-١٩٧١" أن عشتار معبودة حضارات ما بين النهرين, والتي سموها ربة الأرض هي التي تأثر اليونانيون بعبادتها, وظهرت في تفكيرهم الديني باسم الإلهة ديانا، وهي نفسها في رأيه التي تداعت عبادتها فيما بعد لدى المسيحيين وسموها السيدة العذراء. كذلك فإن نظرية الجوهر الفرد Atomism عند الطبيعيين من اليونان، وتناسخ الأرواح عند الفيثاغورثيين، ما هما إلا ترديد للمعتقدات المعروفة لدى الهنود. بالمثل تعكس الفلسفتان الرواقية والأبيقورية تراث الشرق فيما ذهبتا إليه من التماس الخلاص, والسعادة عن طريق المعرفة.

عرف الشرق أيضا أكثر من عقيدة. فمنذ ثلاثة وثلاثين قرنا توصل إخناتون في مصر القديمة إلى شكل من أشكال عقيدة التوحيد, رغم انتشار الوثنية في عهده.

<<  <   >  >>