للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تؤلف هذه المباحث الثلاثة: الوجود والمعرفة والقيم بمختلف فروعها الموضوع الرئيسي للفلسفة بمفهومها التقليدي, وإن كانت الفلسفات المعاصرة ترفض ذلك التصور كما سيأتي ذكره.

هذا, وقد تأثرت مناهج البحث والتفكير قديما, وكذلك في العصر الوسيط بالظروف التي صاغت مفهوم الفلسفة نشأة وتعريفا وموضوعا, وخاصة من حيث الطابع العام وسيادة البحث النظري المجرد في حقيقة الموجودات وماهيتها. فأرسطو مثلا, وهو أحد قمم تلك المرحلة الحضارية, كانت دراسته لما بعد الطبيعة وللعلوم الطبيعية على السواء دراسة عقلية.

لقد كان جل اهتمام أرسطو هو البحث عن الصفات العامة الجوهرية التي تشبه المعاني الرياضية في ثباتها. تلك المعاني وإن لم تكن منفصلة عن الأشياء, فهي وحدها التي تصلح لأن تكون موضوعا للعلم. فإذا أمكن التوصل إلى المعنى الكلي الذي يتميز به نوع من الأنواع, أمكن استنباط جميع المعاني الجزئية الأخرى منه بطريقة قياسية منطقية.

هكذا, احتفظت كتابات أرسطو بطابع عقلي مثالي ظنت معه الأجيال التالية أنه وضع النظريات النهائية في الفلسفة والمنطق, كما ظل المنطق الشكلي "أي: الصوري" والذي توصل إليه نتيجة جهود سابقيه وخاصة سقراط وأفلاطون، ظل مهيمنا على مناهج البحث لدى مفكري العصور الوسطى أيضا الذين تطلعوا إلى أرسطو بصفته الفيلسوف الكامل الذي عرض العلم عرضا عقليا بحتا.

اعتمد الفلاسفة اليونانيون إذًا, وكذلك فلاسفة العصر الوسيط على المنطق الصوري الذي كان يتلاءم مع مستوى التطور العلمي في تلك العصور, ووضع فلاسفة اليونان وخاصة أرسطو أسس المنهج الصوري الذي تمثل في عدد من القواعد الكلية التي يجب على المفكر مراعاتها في كل الظروف أثناء بحثه عن الحقيقة حتى يتجنب الزلل, هذه القواعد هي التي أطلق عليها اسم المنطق. ملاحظة أخيرة هي أن تلك القواعد الكلية, أو المنهج كان ملائما للمرحلة المبكرة من تطور البشرية وفجر العلوم, وهو وإن لم يكن كاذبا في ذاته, إلا أنه يؤدي إلى الخطأ إذا طبق في مراحل أخرى أكثر تطورا.

<<  <   >  >>