للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث: منهج ابن خلدون]

[مدخل]

...

المبحث الثالث: منهج ابن خلدون ١

يعتبر منهج ابن خلدون٢ ظاهرة جديرة بالاهتمام بين المناهج العلمية لكبار المفكرين الذين عرفتهم البشرية ابتداء من أرسطو حتى ديكارت. ولا تخلو دراسة المنهج الخلدوني من الصعوبة, فمن ناحية تناول كثير من العلماء المحدثين منذ بداية القرن التاسع عشر فكره ومنهجه بالبحث والتحليل, وتوصلوا إلى آراء ونتائج متناقضة. ومن ناحية أخرى, فإن ابن خلدون نفسه كان تحت تأثيرات متباينة بسبب دراسته المبكرة٣ في صباه والتي جمعت بين العلوم الدينية والرياضيات والفلسفة والمنطق, علاوة على الخبرة الواسعة التي اكتسبها في المهن المتعددة التي مارسها والدول الكثيرة التي عاش بها. ونستطيع أن نلمس باستعراض سريع لآراء العلماء في ابن خلدون الاختلافات الجذرية في النتائج التي توصلوا إليها. فعالم الاجتماع الأمريكي الأستاذ بيتريم سوروكين يرى أنه مفكر مثالي، وزميله الدكتور هاري بارنز يضعه مع المفكرين الذين يسلمون بدور المتناقضات في العلاقات الاجتماعية. ويلفت الأستاذ جاستون بوتول عالم الاجتماع الفرنسي النظر إلى أسلوب المعالجة المادية الذي لجأ إليه ابن خلدون, الذي يعتبره ظاهرة فريدة بين علماء العرب. ويرى المستشرق الإيطالي الأستاذ فرانسسكو جابرييلي أن اعتراف ابن خلدون بالقيم الروحية والاجتماعية للدين يصحح الجانب المادي في نظريته عن العصبية. أما المؤرخ البريطاني الأستاذ أرنولد توينبي, وعالم الاجتماع الألماني الأستاذ ناتانيل شميت فيثنيان عليه لأسلوبه الجديد في كتابه التاريخ والدراسات الاجتماعية، وقد تناول بعض العلماء العرب نفس


١ سبق أن نشرنا هذا المنهج كاملا في مؤلفنا: النظرية السياسية لابن خلدون "باللغة الإنجليزية" وسنشير إلى ذلك بالتفصيل في الصفحات التالية.
٢ ولد بتونس عام ٧٣٢هـ-١٣٣٢م, ومات بالقاهرة عام ٨٠٨هـ-١٤٠٦م. وتعتبر "المقدمة" لكتابه المسمى بالعبر أهم وأخلد آثاره العلمية. ورغم طولها وأصالة ما ورد بها في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع فقد ألفها في ٥ شهور فقط.
٣ محمد بن تاويت الطنجي "التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا" القاهرة ١٩٥١.

<<  <   >  >>