للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحضارية, بمعنى أن تلك الجماعات البشرية التي تحولت إلى حضرية تصبح حياتها أكثر تعقيدا وتكتسب صفات جديدة منها الذكاء والكيس, وإن كانت أكثر اعتمادا على حماية الدولة القائمة. وتتقدم العلوم وترتقي الفنون بالقياس إلى مستواهما في ظل الحياة الساذجة لمجتمع البداوة. ويحدث هذا على حساب بعض القيم حيث تعاني المبادئ الدينية والأخلاقية كثيرا من هذا التحول. ويمكن أن نستشف من مناقشات ابن خلدون في هذا الموضوع نوعا من التناسب العكسي بين تطور القوى الاقتصادية, وبين تدهور بعض عناصر العمران مثل المبادئ الأخلاقية والدينية. ومن ناحية أخرى هناك تناسب طردي بين نفس ظاهرة تطور القوى الاقتصادية, وبين بعض عناصر العمران الأخرى مثل: العلوم والفنون والحياة السياسية المستقرة١.

والخلاصة: أن مناقشة هذا الفرض المنهجي الثاني تظهر أن العوامل الاقتصادية ليست وحدها المؤثرة في دراسات ابن خلدون, وإنما أثر فيها أيضا بعض عناصر العمران وخاصة الدين الذي رغم كونه أكبر مؤثر بينها, فإن الحقيقة الواضحة هي أن ابن خلدون تناول كل عناصر العمران هذه على ضوء معياره المادي في التمييز بين البداوة والحضارة. وبالمثل, فقد أظهرت المناقشة مدى اهتمامه بتتبع أثر التغير من الشكل الأول إلى الشكل الثاني على عمل, وتطور عناصر العمران.


١ M. M. Rabie The political Theory of lbn Khaldun op. cit., pp. ٤١, ٤٢.

<<  <   >  >>