للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما استعان أحيانا بهما معا وفي نفس الوقت؛ لإثبات ظاهرة واحدة من الظاهرتين اللتين أشرنا إليهما الآن. وفي المقدمة أمثلة كثيرة على ذلك, منها مثلا رأيه حول عودة المسيح أو المهدي وهو رأي لا يمكن إدراجه تحت أي من الطريقتين المشار إليهما. فمن ناحية يسلم ابن خلدون بوجهة نظر الدين بشأن عودة المسيح ويعتبرها حقيقة غير قابلة للمناقشة. ومن ناحية أخرى فهو لا يكتفي بمجرد التحليل الديني للموضوع, بل يعبر عن عدم رضائه على الخرافات التي يلصقها البعض به, ويطبق نتائج دراساته فيضع ثلاثة شروط مادية يرى أنه لا بد من توافرها لعودة المسيح, وهي: ضرورة ظهوره بين جماعة قوية تلم شملها قوة العصبية لتشد أزره، وأن يكون متمتعا بصفات الزعيم حتى يستطيع تحقيق أهدافه، وأن يولد في ظروف تؤدي إلى بناء دولة قوية١.

وهناك مثال آخر في هذا الشأن هو وجهة نظره في قيمة, ودور العمل الإنساني. وقد سبق الاستشهاد برأيه في نهاية مناقشتنا للفرض الأول أعلاه, إذ يقول: "فالكل من عند الله. فلا بد من الأعمال الإنسانية في كل مكسوب ومتمول ... ".

ب- القيود المفروضة على التعليل الميتافيزيقي:

لإثبات النصف الثاني من الفرض المنهجي قد يكفي أن نسترجع بعض الأساليب الهامة التي ابتكرها ابن خلدون, وناقشناها في فروضنا السابقة؛ وذلك لتبيان مدى الاختلاف بين منهجه والمنهج الميتافيزيقي. وفي الواقع تكمن الخلافات الأساسية بين الاثنين في عدة نقاط أهمها:

- إيمانه بحتمية التغيير الاجتماعي الدائم.

- العلاقة الديناميكية بين الأسباب, والنتائج.

- الاهتمام الكبير الذي أولاه لدور المتناقضات في حياة الجماعة.

وحتى نتلافى تكرار ما سبق إثباته, سنناقش بإيجاز بعض الأمثلة الهامة لتلك


١ lbid., pp. ٣٧. ٤٣, ٤٤.

<<  <   >  >>