للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مناظرة فقيهين في القرن الخامس]

قال ابن العربي في "الأحكام"١: ورد علينا بالمسجد الأقصى سنة ٤٨٧ سبع وثمانين وأربعمائة فقيه من عظماء أصحاب أبي حنيفة يعرف بالزوزني، فحضرنا في حرم الصخرة المقدسة طهرها الله معه، وشهد علماء البلد، فسئل على العادة عن قتل المسلم بالكافر، فقال: يقتل به قصاصا، فطولب بالدليل: فقال: الدليل عليه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} ٢ وهذا عام في كل قتيل، فانتدب معه للكلام ففيه الشافعية بها وإمامهم عطاء المقدسي، وقال: ما استدل به الشيخ الإمام لا حجة له فيه من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن الله سبحانه قال: كتب عليكم القصاص فشرط في المجازات، ولا مساوات بين مسلم وكافر، فإن الكفر منزلته ووضع مرتبته.

الثاني: أن الله ربط آخر الآية بأولها، وجعل بيانها عند تمامها، فقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} فإذا نقص العبد عن الحر بالرق وهو من آثار الكفر، فأحرى وأولى أن ينقص عنه الكافر.

الثالث: قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ولا مؤاخاة بين المسلم والكافر، فدل على عدم دخوله.

فقال الزوزني: بل ذلك دليل صحيح، وما اعترضت به لا يلزمني منه شيء، أما شرط المساواة في المجازات فمسلم، وأما دعواك أن المساوات بين


١ "١/ ٦٧".
٢ سورة البقرة: ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>