للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النزاع بين أهل الحديث والرأي]

...

النزاع بين أهل لحديث والرأي:

وفي هذا العصر بدأ النزاع بين أهل الحديث وأهل الرأي، وافترق الفقهاء حزبين؛ حزب السنة والأثر، وحزب الرأي الذي صار فيما بعد يسمَّى بالقياس، فأهل السنة والأثر هم أهل الحجاز, ورئيسهم سعيد بن المسيب السابق الذكر، ثم تفرعوا فيما بعد إلى مالكية وشافعية وحنابلة وظاهرية وغيرهم، كل هؤلاء يزعم التمسُّك بالأثر, ولا ينتمون للرأي.

أما أهل العراق فكانوا يميلون للرأي, ورئيسهم حامل لوائه هو إبراهيم النخعي، ولهذا يقال لأصحاب الرأي عراقيون، وبعد زمن أبي حنيفة صار يقال لهم الحنفية، على أنه يوجد فيهم من لا يقول به كالإمام الشعبي عامر بن شراحيل، وابن سيرين١، وسبق ذلك، كما يوجد في المدنيين من يقول بالرأي كربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك, حتى لقبوه بربيعة الرأي، ولعله اكتسب ذلك من إقامته بالعراق وزيرًا لأبي العباس السفَّاح، ويأتي ذلك في ترجمته.

ففي النصف الثاني من القرن الأوَّل اشتد النزاع بين الفقهاء في هذا المبدأ, وهو من أمهات المسائل, وإذا شئت أن ترى عجبًا وتتصور صورة هذا النزاع بصورة مكبرة فانظر. أعلام الموقعين أثناء شرحه لكتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري عند قوله: واعرف الأشباه والنظائر, فإنه أورد لمناظرة بين القياسيين وبين أهل الأثر, وأورد حجة كل فريق مما يقتضي منه العجب, وأورد أمثلة كثيرة من الأقيسة الفاسدة المناهضة للنصوص الشرعية فانظره. ولا بُدَّ٢ على التحقيق الذي لا شك فيه أنه ما من إمام منهم إلّا وقد قال بالرأي, وما من إمام منهم إلّا وقد تبع الأثر, إلّا أن الخلاف وإن كان ظاهره في المبدأ, لكن في التحقيق إنما هو في بعض الجزئيات، يثبت فيها الأثر عند الحجازيين دون العراقيين, فيأخذ به الأولون ويتركه الآخرون لعدم اطلاعهم عليه, أو وجود قادح عندهم.


١ محمد بن سيرين.
٢ أعلام الموقعين "١/ ٢٢٧-٣٣٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>