للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القياس عند أبي حنيفة]

مذهب الحنفية أوسع المذاهب وأكثرها تسامحًا على وجه الإجمال وأيسرها للمتجهد الماهر استنباطًا لانبنائه على الفلسفة والنظر لحكم الأحكام والعلل، لا سيما في المعاملات التي القصد منها مصالح العباد وعمارة الكون، فالحنفي أحوج إلى النظر من النقل والأثر؛ إذ من قواعد مذهبه الأخذ بالقياس والتوسع فيه في غير الحدود والكفَّارات والتقديرات الشرعية، وتقدَّم لنا في مبحث القياس من القسم الأول من الكتاب أن القياس المخصوص بأهل الاجتهاد والذي هو ميدان المعترك هو تخريج المناط، أما تحقيق المناط وتنقيحه فهما مبذولان للمجتهد وغيره, ويقول بهما جلّ من لا يقول بالقياس على التحقيق.

وتقدَّم لنا هناك استدلال بعض أهل الأصول بحديث: "حكمي على الواحد كحكمي على الجماعة"١، وفاتنا هناك التنبيه عليه، فقد نصَّ الكمال ابن أبي شريف٢ على أنه لا يعرف له أصل بهذ اللفظ, والمعروف حديث الترمذي, وقال حسن صحيح، والنسائي، وابن ماجه وابن حبان، وهو قوله -عليه السلام- في مبايعة النساء: "إني لا أصافح النساء, وما قولي لامرأة واحدة إلا كقولي لمائة امرأة" انظره عند قول جمع الجوامع, والأصح أن خطاب الواحد لا يتعداه، في مبحث النهي.

ثم القياس عند أبي حنيفة مقدَّم على الخبر الصحيح المعارض له من كل وجه, الذي فيه قادح من القوادح السابقة عنده، وقد فعل ذلك في حديث المصراة، وحديث العواري، وحديث الشاهد واليمن، وغيرها، قال أبو حنيفة: علمنا هذا رأي, وهو أحسن ما قدرنا عليه، ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه. ويعضد أبا حنيفة ما جاء في صحيح مسلم وأبي داود والترمذي, من أن عمر استشار الصحابة في حدِّ الخمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعله كأخفِّ الحدود, يعني: ثمانين٣.

وفي الموطأ أن عليًّا بن أبي طالب رأى ذلك قائلًا: إن من سكر هذى, ومن هذى افترى٤.


١ تقدَّم.
٢ هو محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف أبو المعالي، الأعلام للزركلي "٧/ ٢٨١".
٣ مسلم "٥/ ١٢٥"، وأبو داود "٤/ ١٦٣"، والترمذي "٤/ ٤٨".
٤ الموطأ "٢/ ٨٤٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>