للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التمهيد الثاني: الفقه قبل الإسلام, وهل كان عند العرب فقه وفقهاء أم لا

اعلم أن الإسلام وجد الإمة العربية أمية لا تقرأ ولا تكتب, ولم يكن لديها علوم مدونة في الكتب تدرسها في مساجد أو مدارس, وإن وُجِدَ لديهم معرفة بعلوم تدعو إليها ضرورة حياتهم البدوية؛ كعلم النجوم والقيافة والعيافة والأنساب, وغير ذلك مما نسب المؤرخون لهم معرفته, لكنها لم تكن مدونة لهم في كتاب, وإنما هي من نوع ما يحسن أهل البادية معرفته وحفظ بعض قواعده، ومن هذا النوع ما كان لهم من الإلمام ببعض ضوابط فقهية يفصلون بها خصوماتهم؛ كقولهم في القصاص: القتل أنفى للقتل، والدية على العاقلة في الخطأ، وكنا يؤثر عن عمرو بن الظرب أحد حكام العرب قوله في الخنثى: القضاء يتبع المبال.

وفي النسائي وغيره أن القسامة كانت في الجاهلية فأقرَّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما كانت عليها في الجاهلية, وقضى بها بين أناس من الأنصار ادَّعَوْه١ على يهود خيبر٢.

ومن ذلك معرفتهم بعض مناسك الحج، وكانوا يصومون عاشوراء كما في الصحيح٣، بل كانوا يتحنثون في رمضان بالصوم كما يدل عليه حديث بدء الوحي٤، وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ


١ قال المؤلف: ادَّعَوْه, أي: القتل.
٢ سنن النسائي "ج٨/ ٥".
٣ أخرجه البخاري في الصحيح في أول كتاب الصوم "ج٣/ ٣١".
٤ الذي في حديث بدء الوحي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حبب إليه الخلاء, فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد. انظر "ج١/ ٥ من صحيح البخاري"، و"ج١/ ٩٧" من صحيح مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>