للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن كلامه الذي سيتعلمه في هذه الحال يكون مغايرا تمام المغايرة لكلام بيئته التي ولد فيها. فالسير نشاط إنساني عام لا يختلف إلا في نطاق ضيق، وذلك إذا انتقلنا من فرد إلى فرد، واختلافه غير إرادي ولا غرض منه.

أما الكلام فإنه نشاط إنساني يختلف أيما اختلاف إذا انتقلنا من مجتمع إلى مجتمع؛ لأنه ميراث تاريخي محض للجماعة؛ لأنه نتاج الاستعمال الاجتماعي الذي استمر زمنا طويلا.

ب- ثم أخذ "سابير" في دفع الأوهام القائمة على زعم أن ما في اللغات من "صرخات انفعالية"١ أو من "كلمات" مقلدة للأصوات الطبيعية شاهد بأن للغة أساسا غريزيا، ورد تلك النظريات القائلة أن الكلام الإنساني تطور تطورا تدريجيا عن الصرخات الانفعالية، أو عن تقليد الأصوات الطبيعية، ثم حذر من أن يضلل المصطلح الذي يستعمله اللغويوين، ألا وهو "أعضاء" الكلام٢، فيعد تسليما من اللغويين بأن الكلام نشاط غريزي بيولوجي.

ولنعرض رأي سابير في هذه المسائل الثلاث واحدة فواحدة:

١- "الصرخات الانفعالية" ليست شاهدا بأن الكلام غريزي:

إننا تحت وطأة الانفعال، تحت وطأة ألم قاس مفاجئ، أو فرح غامر مباغت، أو ما أشبه ذلك، نتفوه، دون إرادة منا، بأصوات لا يفهمها السامع على أنها دالة على الانفعال نفسه، أي يفهمها على أنها "كلام". ولكن هذا التعبير غير الإرادي عن الشعور يختلف أشد الاختلاف عن الطريقة العادية المألوفة لنقل الأفكار، هذه الطريقة التي هي "الكلام". إن النوع الأول غريزي، و"غير رمزي"٣، إنه فيض "أوتوماتي"٤ للقوة الانفعالية، إنه جزء من الانفعال نفسه.

ثم إن الأصوات، أو الصرخات الغريزية، لا توجه إلى أحد، لا يقصد بها أن يسمعها أحد، إنها لا تكون "اتصالا" بالغير بأي معنى صحيح من معاني


١ lnterJections.
٢ Organs of Speech.
٣ Non - Symblic.
٤ Automatic.

<<  <   >  >>