للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام الحقيقة العقلية]

تنقسم الحقيقة العقلية إلى أربعة أقسام:

الأول: ما طابق الواقع والاعتقاد, كقول المؤمن: "أنبت الله الزرع" إذا كان المخاطب يعلم أن المتكلم مؤمن، ينسب الآثار كلها لله، أو كان يجهل حاله, إذ المفهوم من ظاهر حال المتكلم أنه مؤمن، وأن الإسناد إلى ما بني الفعل له في يقينه واعتقاده.

الثاني: ما طابق في الواقع فقط, كقول الكافر وهو يخفي حاله عن المخاطب: "شفى الله المريض" فالظاهر من حال المتكلم أنه مؤمن يعتقد ما يقوله, إذ إنه لم ينصب قرينة على أنه كافر، بل ستر حاله وأخفاها.

الثالث: ما طابق الاعتقاد فقط, كقول الكافر: "أنبت الغيث الشجر" إذا كان المخاطب يعلم أن المتكلم كافر، يضيف الإنبات إلى الغيث، أو كان يجهل حاله, إذ المفهوم من ظاهر حاله حينئذ أنه كافر يعتقد ما يقول، وأن الإسناد إلى ما بني الفعل له في اعتقاده.

الرابع: ما لم يطابق الواقع، ولا الاعتقاد, كقولك كذبًا: "زارني محمد" وأنت وحدك، دون المخاطب تعلم أنه لم يزرك, فالمفهوم من ظاهر حالك حينئذ أنك صادق فيما تقول، وأن الإسناد إلى ما بني الفعل له في اعتقادك.

فكل هذه الأقسام الأربعة من قبيل الحقيقة العقلية؛ لأن الفعل أسند في جميعها إلى ما حقه أن يسند إليه عند المتكلم في ظاهر حاله.

وإن كانت الحقيقة في ذات اللفظ سميت "حقيقة لغوية" نسبة إلى اللغة, كلفظ "أسد" المستعمل في الحيوان المفترس في قولك: "رأيت أسدًا في غابة" فلفظ "أسد" لم يتصرف فيه بشيء, بل استعمل في معناه الأصلي. وإذًا تكون الحقيقة اللغوية: هي الكلمة المستعملة في المعنى الذي وضعت له١, وهي تسمى بأسماء


١ الوضع: تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه, لا بقرينة تنضم إليه ليخرج المجاز, فإن دلالة اللفظ فيه بواسطة القرينة، ودخل المشترك لأنه معين للدلالة على كل من معنييه أو معانيه بنفسه، فالعين وضعت تارة للدلالة على الجارية وأخرى للدلالة على الباصرة وهكذا, وعدم فهم إرادة أحد معنييه أو معانيه الوضعية لعارض الاشتراك لا ينافي ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>