للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكل من هذه الشبيهات الثلاثة في البيت، يفيد من قوة المبالغة مالا يفيده غيره مما سنذكره بعد.

وجه ذلك: أنه مشتمل على معنى الاتحاد من الطرفين، من وجهين:

الأول: أن ترك الوجه يفيد، بحسب الظاهر. عموم جهة الإلحاق١ أي أن المشبه في التشبيهات المذكورة، يماثل المشبه به في كافة صفاته إذ لا ترجيح لبعض الأوصاف على بعض، عند ترك التصريح بالوجه- فالتشبيه الأخير مثلا من البيت، يفيد مماثلة الوجوه البيض، للأقمار في كافة صفاتها من البياض والإشراق، والاستدارة ما إلى ذلك من أوصاف القمر، من غير ترجيح لبعض الأوصاف، وهذا من غير شك يقوى معنى الاتحاد بين الطرفين، وهو مناط المبالغة- بخلاف ما لو ذكر الوجه لفظ، أو تقديرا: فقيل: "وجوهم أقمار في الإشراق" مثلا، فإنه يفيد: أن الوجوه تماثل الأقمار في وصف "الأشراق فقط، دون سائر الصفات فتضعف بذلك دعوى الاتحاد.

الثاني: أن ترك الأداة يفيد -بحسب الظاهر أيضا: أن المشبه به في المثال المذكور محمودل على المشبه٢، والحمل يقتضي اتحادهما معنى، أي أن يكون المشبه هو المشبه به عينه، وليس شيئا سواه، وإلا ما صح الحمل فيهما لامتناع حمل أحد المتباينين على الآخر- بخلاف ما لو ذكرت الأداة لفظا، أو تقديرا، فقيل مثلا: وجوههم كالأقمار، فإنه يفيد أن "الوجوه" غير "الأقمار" وهذا يضعف دعوى الاتحاد بين الطرفين.

فترك الوجه والأداة إذن، يفيد معنى الاتحاد بين الطرفين من جهتين -كما بينا-


١ إنما كانت إفادته العموم بحسب لأن الوجه في الحقيقة وصف خاص قصد اشتراك الطرفين فيه "كالمضاء" مثلا في التشبيه الأول من البيت "بين العزمات والقضب" التي هي السيوف.
٢ إنما كان بحسب الظاهر أيضا لأنه في الحقيقة لا حمل بين حقيقتين مختلفتين، وإنما هو تشبيه أحدهما بالآخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>