للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن اللفظ المستعار موضوع -في اللغة- للمشبه به لا للمشبه، ولمعنى أعم من المشبه والمشبه به. فلفظ "أسد" مثلا من قولنا: "رأيت أسدا على فرس" موضوع -في اللغة- للحيوان المعروف، لا للرجل الجريء وهو ظاهر. ولا لمعنى أعم منه، ومن ذلك الحيوان "كالحيوان الجريء" رجلا كان أو أسدا، إذ لو كان موضوعا لمطلق حيوان جريء لكان إطلاقه على كل منهما: "حقيقة" باعتبارهما من أفراد هذا المطلق، وليس الواقع كذلك, وإذا ثبت أنه لم يوضع لواحد منهما، نقال عن أئمة اللغة -كان استعماله في المشبه إطلاقا للفظ على غير ما وضع له- وهذا هو معنى المجاز اللغوي.

الاستعارة تفارق الكذب:

تفارق الاستعارة الكذب من جهتين:

الأولى: أن الاستعارة مبنية على التأويل، وهو دعوى دخول المشبه في جنس المشبه به, وجعله أحد أفراده مبالغة, فيقدر: أن الأسد، مثلا في نحو قولنا "على الفرس أسد" موضوع لفردين: متعارف، وهو الحيوان المعروف، وغير متعارف، وهو الرج الجريء. أما الكذب فلا تأويل فيه؛ لأن الكاذب يتعمد الكذب. ومثل هذا لا يتأول في كلامه.

الثانية: الاستعارة لا بد فيها من نصب قرينة دالة على إرادة خلاف الظاهر من اللفظ، مانعة من إرادة المعنى الحقيقي له. أما الكذب فلا تنصب فيه قرينة على إرادة غير الظاهر، بل إن قائله ليبذل كل جهده لترويج ظاهره، وإظهار صحة باطله١.


١ محل ذلك إذا كان الكاذب يعرف أن كلامه لا يطابق الواقع وقد قصد إظهار صحته، وأنه مطابق، لا أنه لم يقصد ذلك، واعتقد صحته.

<<  <  ج: ص:  >  >>