للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقرينة نوعان: لفظية، ومعنوية:

فاللفظية: هي لفظ يذكر في الكلام يصرفه عن حقيقته، وبدل على التجوز في الإسناد كما تقول: "هزم الأمير خصمه وهو في قصره" فهو "كما ترى" إسناد الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه؛ لأن الأمير لم يفعل شيئًا, والذي سوغ إسناد الهزيمة إليه أنه سبب فيها, والقرينة الدالة على هذا التجوز قولك: "وهو في قصره" إذ دل على أن الهازم غير الأمير.

والمعنوية: شيء خارج عن اللفظ، يصرف الكلام عن حقيقته، ويدل على التجوز في الإسناد، وذلك أحد أمرين:

الأول: أن يكون قيام المسند بالمسند إليه مستحيلًا عقلًا، أو عادة. فمثال المستحيل عقلًا قولهم: "محبتك جاءت بي إليك" فإسناد المجيء إلى ضمير المحبة مجاز عقلي أسند فيه الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه، والذي سوغ هذا الإسناد أن المحبة سبب في المجيء, وقرينة المجاز استحالة قيام المجيء بالمحبة عقلًا. والمراد بالمستحيل عقلًا: ما كان مستحيلًا بالضرورة، وهو ما لو خلا العقل ونفسه لعده محالًا على البديهة كما في المثال المذكور. ومثله قولك: أقدمني بلدك, حق لي عليك. فالقرينة على التجوز في الإسناد استحالة قيام الإقدام بالحق عقلًا. ومثال المستحيل عادة قولهم: هزم القائد الجيش, فإسناد هزيمة الجيش إلى القائد مجاز عقلي, قرينته استحالة أن يهزم القائد الجيش وحده في العادة، وإن أمكن ذلك عقلًا.

الثاني: أن يكون الكلام صادرًا عن الموحد كأن يقول المؤمن: قوست ظهري أحداث الزمان، وأشابت رأسي نوائبه، فهذان الإسنادان من قبيل المجاز العقلي, أسند فيهما الفعلان إلى غير ما حقهما أن يسندا إليه بناء على أن أحداث الزمان ونوائبه سبب في التقويس والإشابة، وقرينة التجوز فيهما صدور هذا القول من مؤمن يرى أن الله تعالى مصدر الأفعال كلها.

وليس هذا مما استحالته عقلية حتى يكون داخلًا في الأمر الأول؛ إذ لم يجمع ذوو العقول على استحالة مثل هذا بدليل أن كثيرًا من العلماء ذهبوا إليه, وقالوا به, واحتجنا في الرد عليهم إلى الدليل.

فالقرينة في هذين الأمرين معنوية؛ إذ لم يكن في الكلام لفظ صريح يدل على التجوز في الإسناد.

وإن كان المجاز في ذات اللفظ بأن نقل من معناه الموضوع له إلى معنى آخر, فإما أن يكون هذا اللفظ مفردًا, أو مركبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>