للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثة: وهي المطلوب بها نسبة -إثباتا أو نفيا- ضابطها أن يصرح بالموصوف وبالصفة ولا يصرح بالنسبة بينهما، ولكن يذكر مكانها نسبة أخرى تستلزمها- مثالها- في الإثبات- قولهم: "المجد بين ثوبيه، والكرم ملء ردائه" كناية عن إثبات المجد والكرم له، فقد صرح في هاتين الكنايتين بالموصوف وهو مدلول الضمير وصرح بالصفة، وهي المجد أو الكرم، ولكن لم يصرح بنسبة المجد أو الكرم إليه، وإنما ذكر مكانها نسبة أخرى، هي نسبة المجد إلى ثوبيه، أو نسبة الكرم إلى ردائه إثباتا. وهي تستلزم نسبة المجد أو الكرم إلى الممدوح: من حيث وجود المجد بين ثوبيه المحيطين به. أو كون الكرم ملء ردائه الخاص به، مع استحالة قيام المجد أو الكرم بنفسه، ووجوب قيامه بمحل صالح له, ومنه قول زياد الأعجم:

إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج١

كنى عن إثبات هذه الثلاثة للممدوح، بإثباتها لقبة ضربت عليه، فقد صرح بالموصوف وهو "ابن الحشرج" وصرح بالصفة وهي مجموع هذه الأمور المذكورة: من السماحة والمروءة والندى، ولكن لم يصرح بنسبتها إلى الممدوح، وإنما ذكر مكانها نسبة أخرى تستلزمها، هي نسبتها إلى قبة ضربت عليه؛ لأنه إذا أثبت الشيء في مكان الرجل وحيزه، فقد أثبت له، لما قلنا من استحالة قيام الوصف بنفسه، ووجوب قيامه بمحل صالح له, ومثال الكناية المذكورة في النفي قول الشنفرى الأزدى، يصف امرأة بالعفة والنزاهة:

يبيت بمنجاة من اللوم بيتها ... إذا ما بيوت بالملامة حلت

كنى بالمصراع الأول عن نفي اللوم عنها, فقد صرح بالموصوف، وهو مدلول


١ ابن الحشرج هو عبد الله بن الحشرج كان أميرا على نيسابور يدل على ذلك قوله: في قبة إذ يفهم منه أن الممدوح ممن تضرب لهم القباب وذلك عنوان السيادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>