للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثالها في "الصفة المشبهة" قولك: "إنما أصادق الأعمى عن العورات" فقد شبه غضّ البصر بالعمى في عدم الرؤية، ثم استعير لفظ "العمى" بعد التناسي والادعاء لغض البصر، ثم اشتق من العمى بمعنى غض البصر "أعمى" بمعنى غاضّ البصر, على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.

ومثالها في "أفعل التفضيل" قول الشاعر:

ولئن نطقت بشكر برك مفصحًا ... فلسان حالي بالشكاية أنطق

شبهت الدلالة بالنطق على نحو ما سبق, ثم استعير النطق للدلالة، ثم اشتق من النطق بمعنى الدلالة "أنطق" بمعنى "أدل" على طريق الاستعارة التبعية.

ومثالها في اسمي الزمان والمكان قولك: "هذا مقتل فلان" مشيرًا إلى مكان ضربه، أو زمانه، فيشبه الضرب الشديد بالقتل على قياس ما سبق في اسمي الفاعل والمفعول, ثم يشتق من القتل بمعنى الضرب الشديد "مقتل" اسم زمان أو مكان على سبيل الاستعارة التبعية. ومنه قوله تعالى: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ؟ فمما لا ريب فيه أن هذا السؤال منهم إنما يكون بعد البعث من القبور, فالمراد "بالمرقد" حينئذ موضع الموت أي: القبر، لا موضع الرقاد وهو النوم؛ فقد شبه الموت بالرقاد في عدم الحس أو عدم النفع، ثم استعير لفظ "الرقاد" بعد التناسي والادعاء للموت, ثم اشتق من الرقاد بمعنى الموت "مرقد" بمعنى مكان الموت، وهو القبر على سبيل الاستعارة التبعية. وإن قدر "المرقد" مصدرًا ميميًّا بمعنى "الرقاد" واستعير للموت كانت الاستعارة أصلية؛ لأن اللفظ المستعار حينئذ اسم جنس غير مشتق.

ومثالها في اسم الآلة قولك: "هذا مفتاح الملك" مشيرًا إلى أحد وزرائه.

وتقرير الاستعارة فيه أن يقال: شبهت الوزارة١ بفتح الأبواب المغلقة في التوصل إلى المقصود, ثم استعير لفظ "الفتح" بعد التناسي والادعاء للوزارة, ثم اشتق من الفتح بمعنى الوزارة "مفتاح" بمعنى وزير على سبيل الاستعارة التبعية. وهكذا يقال في سائر المشتقات، ولا يعوزك القياس.

وسميت الاستعارة في الفعل والاسم المشتق تبعية؛ لجريانها فيهما تبعًا لجريانها في المصدر "كما رأيت". فتشبيه الدلالة في قولك: "نطقت الحال بكذا" يتبعه تشبيه "دل بنطق" واستعارة النطق للدلالة يتبعه كذلك استعارة "نطق لدل" لأن الفعل مشتق من المصدر, فكل تصريف يجري في المصدر يجري نظيره في الفعل تبعًا له، وهكذا سائر المشتقات.


١ مصدر بمعنى المؤازرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>