للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبه النظر بالسهم في شدة التأثير، واستعار السهم للنظر "وريشه" ترشيح؛ لأنه من ملائمات المشبه به من قولهم: راش السهم, إذا ألزق عليه الريش ليكون أحكم في الرماية، و"الكحل" تجريد؛ لأنه من ملائمات المشبه والقرينة حالية بهذا الاعتبار, فإن اعتبر "الكحل" قرينة كان قوله: "ريشه" ترشيحًا، واعتبرت الاستعارة مرشحة.

واعلم أن اعتبار الترشيح والتجريد إنما يكون بعد استيفاء الاستعارة قرينتها, فقولك: "رأيت بدرًا يضحك" استعارة لا ترشيح فيها ولا تجريد؛ لعدم اقترانها بما يلائم أحد الطرفين، وأما قوله: "يضحك" فهو قرينة الاستعارة فلا يعتبر تجريدًا، وإن كان من ملائمات المشبه؛ لأن التجريد أو الترشيح "كما قلنا" إنما يعتبر بعد تمام الاستعارة, وهي إنما تتم بالقرينة, ولو أن القرينة في هذا المثال حالية لكان قولك: "يضحك" تجريدًا؛ لأنه يلائم المشبه.

والمطلقة: ما لم تقترن بشيء من ملائمات أحد الطرفين, كقولك: "عطشي إلى لقائك شديد" شبه الشوق بالعطش بجامع ما يترتب على كل من التلهف، ثم استعير العطش للشوق، والقرينة قولك: "إلى لقائك" وكقولك: غرست الجميل فلم يثمر. شبه فعل الجميل بالغرس بجامع ما يترتب على كل من العائدة، ثم استعير الغرس لفعل الجميل، ثم اشتق منه غرس بمعنى فعل الجميل "على سبيل الاستعارة التبعية" والاستعارة في المثالين مطلقة لعدم اقترانها بشيء يلائم أحد الطرفين.

ومن قبيل الاستعارة المطلقة ما اجتمع فيه ترشيح وتجريد "كالبيتين السابقين"؛ لأنهما باجتماعهما يتعارضان فيتساقطان. فكأن لا ترشيح ولا تجريد، اللهم إلا إذا زاد أحدهما على الآخر فإنه حينئذ يرجح جانبه, وبناء عليه يكون قول "زهير" السابق: "لدى أسد شاكي السلاح" "البيت" من قبيل الاستعارة المجردة إن جعلت القرينة حالية؛ لأن ملائمات المشبه حينئذ تكون أكثر من ملائمات المشبه به, كما أن قولك: "رأيت أسدًا على فرس منتفش اللبدة رهيب الزئير" من قبيل الاستعارة المرشحة على تقدير أن القرينة حالية؛ لأن ملائمات المشبه به أكثر، فهي بهذا الاسم أجدر, ورجح بعضهم جانب السابق لسبقه. وسميت مطلقة لإطلاقها عن التقييد بما يلائم أحد الطرفين.

<<  <  ج: ص:  >  >>