للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"بين الناس" لأن الأسد الحقيقي لا يرى بينهم؛ إذ هو حيوان غير مستأنس, وكقولهم: نطقت الحال بكذا فهو استعارة تبعية, قرينتها شيء واحد كذلك هو استحالة قيام النطق بالحال، والثاني كقول الشاعر:

فإن تعافوا العدل والإيمانا ... فإن في أيماننا نيرانا١

يقول: إن كرهتم الإنصاف، وإقرار الأمور في نصابها، وأبيتم التصديق بما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- قهرناكم عليها بما في أيدينا من سيوف تلمع كمشعل النيران، استعير لفظ "النيران" للسيوف "استعارة أصلية" والقرينة على أن المراد بالنيران السيوف هي كل من "العدل والإيمان" باعتبار تعلق العيافة أي: الكراهة بهما, ووجه كون ذلك قرينة على أن المراد "السيوف" هو أن الذي يدعو إلى العدل والإيمان آخذ بالشريعة، وهي إنما تحمل من يخالف على الطاعة بحدّ السيف لا بالإحراق، وكقولهم:

رويدك, قد طغى حبي ودمعي ... وبات القلب يحترق اشتياقا

استعير الطغيان للكثرة "كما تقدم" استعارة تبعية, والقرينة هي كل من الحب والدمع, باعتبار تعلق الطغيان بهما تعلق استحالة.

وقد تكون القرينة معاني ملتئمة, أي: مرتبطًا بعضها ببعض, بحيث يكون المجموع قرينة، لا كل واحد منها كما في قول البحتري:

وصاعقة من نصله تنكفي بها ... على أرؤس الأقران خمس سحائب٢

شبه أنامل يد الممدوح بالسحائب في عموم العطايا، ثم استعار لفظ "السحائب" لأنامل يده، وجعل القرينة على الاستعارة مجموع أشياء؛ فذكر أن هناك صاعقة، وأنها ساقطة من حد سيفه, منقلبة على رءوس الأقران، ثم ذكر عدد أصابع اليد،


١ "تعافوا" من عاف الشيء يعافه, إذا كرهه ومجّه، "الإيمان" الأول بكسر الهمزة: التصديق، والأيمان الثاني بفتح الهمزة: جمع يمين, والمراد اليد اليمنى.
٢ الصاعقة في الأصل: نار سماوية تهلك من تصيبه، والنصل: حد السيف, وتنكفي: تنقلب، والأقران جمع قرن بكسر القاف وهو المماثل والنظير.

<<  <  ج: ص:  >  >>