للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما يقصده المخبر بخبره]

إذا قصدت أن تخبر إنسانًا بخبر ما، فلا يخلو حال المخاطب من أحد أمرين، لا ثالث لهما.

١- أن يكون جاهلًا بمضمون الخبر المراد إلقاؤه إليه.

٢- أن يكون عالمًا به قبل الإخبار.

فإن كان الأول: كان قصدك بهذا الخبر: أن تفيد مخاطبك مضمونه، وتعلمه به كما إذا قلت مخاطبًا إنسانًا يجهل قدوم أبيه:

"قدم أبوك من سفره" فأنت بهذا الخبر تريد أن تفيد مخاطبك الحكم الذي تضمنته هذه العبارة، "وهو قدوم أبيه" ويسمى هذا الحكم حينئذ "فائدة الخبر" لأنه معنى مستفاد منه.

وإن كان الثاني: كان قصدك بهذا الخبر: أن يفيد المخاطب أنك عالم بمضمونه كما في المثال المذكور إذا خاطبت به إنسانًا يعلم قدوم أبيه. وأنت تعلم منه ذلك، فأنت لا تريد بهذا الخبر -والحالة هذه- أن تفيده الحكم الذي تضمنه لأنه عالم به، وإنما تريد: أن تفيده أنك أيضًا عالم بقدوم أبيه، لأن هذا هو الذي يجهله المخاطب, ويسمى علمك به "لازم الفائدة" أي الأمر الذي يستلزمه حكم الخبر وفائدته، إذ كل من أفدته خبرًا أفدته أنك عالم به من غير عكس١ أي ليس كل من أفدته أنك عالم بالحكم الذي تضمنه الخبر أفدته هذا الحكم لجواز أن يكون عالمًا به قبل الإخبار؛ لهذا كان الحكم الذي تضمنه الخبر هو "الملزوم" وعلمك بهذا الحكم هو "اللازم".

تنبيه:

علم مما تقدم أن القصد من إلقاء الخبر؛ أما إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنه الجملة الخبرية، أو إفادة أن المتكلم عالم بهذا الحكم, وهذا هو الغالب في استعمال الخبر.

وقد يكون الحامل على الإخبار بواعث أخرى، نذكر منها ما يلي:

١- التوبيخ: كقولك للعاثر في وضح النهار "الشمس طالعة" فغير معقول أنك تريد إفادته طلوع الشمس، أو إفادته أنك عالم به، فإن ذلك مما لا يخفى على أحد، فلا بد إذًا أن يكون الحامل لك على هذا الإخبار غرضًا آخر، هو توبيخه على عثرته، مع طلوع الشمس، ووضوح النهار.

٢- إظهار الفرح: كقولك: "نجحت في الامتحان" لمن يعلم ذلك, فليس الغرض الإفادة، بل الغرض إظهار السرور بالنجاح.

٣- إظهار الضعف: كقول زكريا عليه السلام يخاطب ربه:


١ أي فليس التلازم بين ذات الخبر وذات العلم, إذ لا تجزم بينهما فقد يتحقق الحكم ولا يعتقده المتكلم, وإنما التلازم بينهما باعتبار الإقامة بمعنى أن إفادة الأول ملزومة لإفادة الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>