للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد: أن جريرًا لا يستطيع أن يأتي بمثلهم آباء ذوي مجد وحسب إذا جمعتهما مجامع الفخر والمساجلة، والشاهد قوله: "أولئك آبائي" حيث أورد المسند إليه "اسم إشارة" قصدًا إلى أن يصم جريرًا يوصمه الغباوة، وأنه لا يدرك إلا المحس بحاسة البصر، ولو أنه عدد آباءه بأسمائهم، فقال: فلان وفلان آبائي لم يكن فيه ما أراد الشاعر: من التعريض عند من له ذوق سليم.

٣- بيان حال المسند إليه: من القرب، أو البعد، أو التوسط، فيقال: "هذا محمد" إذا أريد بيان أنه قريب ويقال: "ذلك محمد" إذا أريد بيان أنه بعيد، ويقال: "ذاك محمد" إذا أريد بيان أنه في مكان لا هو بالقريب، ولا بالبعيد.

غير أنه قيل: إن كون "هذا" للقريب و"ذلك" للبعيد، و"ذاك" للمتوسط، بحث خاص بعلماء اللغة، لأنهم إنما يبحثون في المعاني الوضعية، أي من حيث أن "هذا" موضوع للقريب، و"ذلك" موضوع للبعيد، و"ذاك" موضوع للمتوسط، وعلم المعاني يبحث فيها من جهة أنه يؤتى "بهذا" إذ قصد بيان قرب المشار إليه، بأن كان المقام يقتضي ذلك، ويؤتى "بذلك" إذا أريد بيان بعد المشار إليه متى اقتضته الحال, وهكذا فالبحث فيها عند علماء اللغة من حيث الوضع، وعند علماء المعاني من حيث اقتضاء الحال لها فوضح الفرق.

٤- تعظيم المسند إليه بالقرب: كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} , فينزل قربه من النفس، وحضوره في الذهن منزلة قرب المسافة، ويعبر عنه "باسم الإشارة" الموضوع للقريب لقصد تعظيمه١.

٥- تعظيم المسند إليه بالبعد: كأن تقول لحاضر في المجلس: "ذلك الرجل ملجأ البائسين، ومنار المدلجين" فينزل بعد درجته وعلو مرتبته منزلة المسافة، ويعبر عنه "باسم الإشارة" الموضوع للبعيد لقصد تعظيمه٢.


١ وجه دلالته على التعظيم هو أنه الشيء المحبوب يكون عادة مخالطًا للنفس حاضرًا في الذهن، فتعظيمه حينئذ يناسبه القرب المكاني.
٢ وجه دلالته على التعظيم هو أن العظيم يتأبى على الناس عادة ويبعد عنهم لعزته ورفعة شأنه، فتعظيمه حينئذ يناسبه البعد المكاني على هذا الاعتبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>