للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو إني استطعت خفضت طرفي ... فلم أبصر به حتى أراكا

أي لو أني استطعت خفض الطرف خفضت طرفي، فحذف المفعول للنكتة المتقدمة, والمفعول المحذوف في مثل هذه المواضع يقدر دائمًا مصدر فعل الجواب "كما رأيت".

فإن كان تعلق فعل المشيئة بالمفعول غريبًا لم يحسن حذف المفعول إذ لا يدل عليه الجواب حينئذ كقول الشاعر يرثي ابنه:

ولو شئت أن أبكي دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصبر أوسع

لم يحذف مفعول فعل المشيئة وهو قوله: "أبكي دمًا" لغرابة تعلق الفعل المذكور، ببكاء الدم, لهذا ذكر ليتقرر في ذهن السامع.

٢- دفع توهم غير المراد ابتداء كما في قول أبي عبادة البحتري:

وكم نددت عني من تحامل حادث ... وسورة أيام حززن إلى العظم

يقول الشاعر: كثيرًا ما دفعت عني ظلم الزمان وجبروته ورددت طغيان أيام ضربت فأوجعت، حتى بلغت في قسوتها الغاية. والشاهد في قوله: "حززن إلى العظم" والأصل حززن اللحم إلى العظم، فقد حذف المفعول، لأن ذكره يوهم السامع ابتداء، أي قبل ذكر قوله: "إلى العظم" أن الحز لم يصل إلى العظم، وإنما كان في بعض اللحم، وهذا غير مراد, بل المراد أن الحز جاوز اللحم إلى العظم كناية على أن أيام بلغت في شدتها, فدفعًا لتوهم غير المراد حذف المفعول ليدل الكلام على المراد من أول الأمر.

٣- قصد إفادة التعميم في المفعول المحذوف مع الاختصار كقولهم: "قد كان منك ما يؤلم" أي كل أحد، فحذف المفعول لغرض إفادة العموم بقرينة المقام، إذ الغرض: المبالغة في الوصف بالإيلام، وهذا يقتضي إرادة العموم فبمن وقع عليه الألم، وأنه لا يختص به واحد دون الآخر، بل الكل في معاناة الألم سواء، قضاء لحق المبالغة, وكقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} أي يدعو جميع عباده المكلفين. غير أن إفادة العموم في الآية، على وجه الحقيقة، لأن الدعوة إلى الجنة تعم الناس جميعًا, أما المثال الأول فإفادته العموم فيه على وجه المبالغة، لأن إيلام كل أحد من شخص واحد محال عادة, وإنما قلنا: "مع الاختصار" لأن التعميم يمكن أن يستفاد من ذكر المفعول بصيغة العموم، بأن يقال مقالًا: "قد كان منك ما يؤلم كل أحد"، أو يقال في غير القرآن: "والله يدعو كافة الناس إلى دار السلام" لكن يفوتنا الاختصار، وهو مطلوب أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>