للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحال الكفار؛ لأن بيان حال المؤمنين غير مقصود بالذات، وإنما ذكر بطريق التبع لبيان حال الكتاب، في قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} ، وليس بين حال الكتاب، وحال الكفار مناسبة ظاهرة، تقتضي الوصل.

واعلم أن المانع من العطف في هاتين الصورتين ذاتي، لا يمكن دفعه أصلا، وهو كون الجملتين لا تناسب بينهما كما أوضحناه لك فيما تقدم.

وأما كمال الاتصال بين الجملتين:

فيتحقق في أن تتحد الجملتان اتحادًا تامًّا، بحيث تنزل الثانية من الأولى منزلة نفسها، وذلك في صور ثلاث:

الصورة الأولى: أن تكون الجملة الثانية مؤكدة للأولى تأكيدًا لفظيًّا، أو معنويًّا.

فالتأكيد اللفظي: أن يكون مضمون الجملة الثانية هو مضمون الجملة الأولى لدفع توهم الغلط أو السهو في الجملة الأولى كما في قوله تعالى:

{فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} , فصل بين الجملتين؛ لأن الثانية بمثابة التأكيد اللفظي من الأولى وهو ظاهر.

والتأكيد المعنوي: أن يختلف مفهوما الجملتين، ولكن يلزم من تقرر معنى إحداهما: تقرر معنى الأخرى لدفع توهم التجوز في الجملة الأولى كقوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} فصل بين الجملتين؛ لأن الثانية من الأولى بمنزلة التأكيد المعنوي لاختلاف مفهومي الجملتين؛ ولأن مضمون الثانية منهما مقرر لمضمون الأولى, ذلك أنه إذا كان ملكًا لم يكن بشرًا، فإثبات ملكيته تحقيق وتأكيد لنفي بشريته.

الصورة الثانية: أن تكون الجملة الثانية بدلا من الأولى, بأن يكون في الأولى قصور، أو خفاء في وفائها بالمراد، وتكون الثانية أوفى به منها، والمقام يقتضي اعتناء بشأنه.

والبدل -كما هو معلوم- أنواع ثلاثة: بدل بعض، وبدل اشتمال, وبدل كل بناء على اعتباره في الجمل.

فمثال بدل البعض قوله تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} فصل بين الجملتين؛ لأن الثانية من الأولى بمثابة بدل البعض لقصور الأولى عن وفائها بالمراد, ذلك أن المراد: التنبيه على نعم الله "سبحانه"، والمقام يقتضي اهتمامًا بشأن هذا التنبيه، لأنه إيقاظ للغافلين من سنة غفلتهم عن نعم الله تعالى, وليس من شك: أن الجملة الثانية أوفى بتأدية هذا المراد لدلالتها على نعم الله تفصيلا

<<  <  ج: ص:  >  >>