للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: عن سبب عام للحكم الذي تضمنته الجملة الأولى، بمعنى أن السائل يجهل السبب من أصله كما في قول الشاعر:

قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل

فالجملة الأولى هي قوله: "عليل" إذ التقدير: "أنا عليل"، وقد فصلت عنها جملة "سهر دائم ... إلخ"؛ لأنها وقعت جوابًا لسؤال ناشئ عن الجملة الأولى، وكان المخاطب حين سمع قوله: "عليل" تساءل: ما سبب علتك؟ فأجاب سهر دائم، وحزب طويل, ومثله قول الشاعر:

جزى الله الشدائد كل خير ... عرفت بها عدوى من صديقي

فصل بين الجملتين؛ لأن الثانية في موقع الجواب عن سؤال ناشئ عن الجملة الأولى, وكأن سائلا قال: لم دعوت للشدائد بالخير على غير المألوف, فأجاب: عرفت بها ... إلخ.

الثاني: عن سبب خاص للحكم الذي دلت عليه الجملة الأولى؛ أهو حاصل أم غير حاصل؟ كما في قولك: "إني لأتهم نفسي إن النفس نزاعة إلى الشر" فصلت الثانية لوقوعها جوابًا لسؤال نشأ عن الجملة الأولى, وكان سائلا سأل: لم تتهم نفسك ألأنها مطبوعة على حب الشر؟ أم لسبب آخر؟ فأجاب: إن النفس نزاعة إلى الشر، منطبعة على طلب ما لا ينبغي, ومنه قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} .

وهذا النوع من السؤال يقتضي تأييد الحكم الذي تضمنته الجملة الثانية؛ لأن السائل -كما عرفت- في حكم المتردد في حصوله، وقد تقدم في مبحث الإسناد الخبري أن المتردد يؤكد له الخبر استحسانًا.

الثالث -عن غيرهما- أي لا عن سبب عام ولا خاص، ولكن عن شيء آخر له تعلق بالجملة الأولى كما في قوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} فصلت جملة: {قَالَ سَلَامٌ} عن جملة: {فَقَالُوا سَلَامًا} ؛ لأن الثانية جواب عن سؤال ناشئ عن الأولى, وكأن سائلًا سأل: فماذا قال إبراهيم عليه السلام ردًّا لتحيتهم؟ فأجاب: "قال: سلام", ومثله قول الشاعر:

زعم العواذل أنني في غمرة ... صدقوا ولكن غمرتي لا تفجلي

<<  <  ج: ص:  >  >>