للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مبحث الإيجاز]

الإيجاز: هو أن يؤدى المعنى بعبارة أقل مما يستحق بحسب متعارف الأوساط المتقدم وصفهم، بشرط أن تكون وافية بالمعنى المراد, أو هو اندراج المعاني المتكاثرة، تحت اللفظ القليل الوافي، فإن لم يكن في العبارة أو اللفظ وفاء بالغرض كان إخلالًا، لا إيجازًا كقول اليشكري:

والعيش خير في ظلا ... ل النوك ممن عاش كدا١

فالمستفاد من هذا البيت: هو أن العيش في ظل الجهل ناعمًا كان ذلك العيش أو خشنًا خير من عيش المكدود عاقلًا كان أو جاهلًا. وليس هذا ما يريده الشاعر، إنما مراده أن يقول: إن العيش الناعم مع رذيلة الجهل والحماقة خير من العيش الجاف، مع فضيلة العقل. والبيت لا يفي بهذا المعنى "كما ترى" لأن اعتبار "الناعم" في المصراع الأول منه، واعتبار "العقل" في مصراعه الثاني لا دليل عليهما دلالة واضحة؛ لهذا كان في هذا البيت إخلال لا إيجاز.

والإيجاز ضربان؛ إيجاز قصر٢ وإيجاز حذف، وهاك بيانهما:

إيجاز القصر:

هو أن تؤدى المعاني الكثيرة بعبارة قصيرة من غير حذف, وهذا الضرب مطمح أنظار البلغاء، ومحك همم الأفذاذ منهم، التي لا ترام, من ذلك قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} , فتلك آية من جوامع الكلم، انطوى تحتها كثير من مكارم الأخلاق ذلك: "أن في العفو الصفح عمن أساء، والأخذ بمبدأ التسامح


١ النوك بضم النون وفتحها الحمق والجهل وبابه "فرح"، "وكدًّا" صفة لمصدر محذوف أي عاش عيشًا كدًّا أي فيه شدة وجفاء.
٢ بكسر ففتح, سمي إيجاز قصر لوجود الاقتصار في العبارة مع كثرة المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>