للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: في تعريف علم البيان]

معناه في اللغة: الكشف والإيضاح، أما معناه في الاصطلاح فهو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد، في تراكيب متفاوتة في وضوح الدلالة عليه, بمعنى أن يكون تركيب أوضح في الدلالة من تركيب آخر.

وموضع هذا الفن: هو هذا الإيراد للمعنى الواحد في التراكيب المختلفة, في وضوح الدلالة.

فالمعنى الواحد "كالجود" مثلًا, يمكنك إذا كنت ملمًّا بمسائل هذا الفن, عالمًا بأصوله وقواعده أن تؤديه من طرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.

فتارة من طريق التشبيه, فتقول: "محمد كالبحر في الإفاضة" فتشبه بالبحر محمدًا وتلحقه به في هذا المعنى.

وتارة عن طريق الاستعارة، فتقول: "رأيت بحرًا على فرس يداعب أقرانه" فتشبه محمدًا بالبحر في الإفاضة، ثم تستعير لفظ البحر له كما ستعرفه بعد.

وتارة عن طريق الكناية، فنقول: "محمد كثير الرماد" فإن كثرة الرماد تدل على كثرة إحراق الحطب الدالة على كثرة الطبخ، وهذه تدل على كثرة الأكلة، وهذا دليل الجود، فكثرة الرماد حينئذ كناية عن الجود.

فهذه التراكيب الثلاثة تؤدي معنى واحدا هو الجود "كما رأيت" وأول هذه التراكيب أوضح من الثاني في تأدية هذا المعنى، والثاني أوضح من الثالث, وكل ذلك سيأتي لك مفصلًا في محاله، ومثل الجود "الشجاعة".

فتارة يعبر عنها من طريق التشبيه, فيقال: "محمد كالأسد في الشجاعة".

وتارة عن طريق الاستعارة، فيقال: "رأيت أسدًا يخطب القوم على المنبر".

وتارة عن طريق الكناية، فيقال: "زارنا أبو الحرب" فإن أبوته لها كناية عن ملازمته إياها كما يلزم الأب ابنه، وهذا كناية عن شجاعته.

وأوضح التراكيب دلالة على هذا المعنى هو الأول، ويليه الثاني, ثم الثالث، وهكذا دواليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>