للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال؟

يريد أن المشبه به هنا غير معروف كذلك، وأن الغرض من التشبيه في الآية والبيت عرض المشبه وإبرازه في صورة مستفظعة مخوفة, والعرب تشبه قبيح الصورة بالشيطان أو الغول، فيقولون: كأنه رأس الشيطان، أو كأنه وجه الغول وإن لم يروهما لاعتقادهم أن كلا الشيئين شر محض؛ لا يخالطه خير، فيطبع في مخيلتهم بأقبح صورة فاستحسن الفضل ذلك، واستحسنه السائل، ثم قام أبو عبيدة من فوره، وتقصى ما ورد في القرآن من الألفاظ التي أريد بها غير معناها الأول في اللغة، وجمعها في هذا الكتاب، وأسماه "مجاز القرآن"، وهو -على ما قيل- أول كتاب دون في علم البيان.

وأبو عبيدة هذا هو معمر بن المثنى البصري أحد رواة اللغة الأعلام، وتلميذ يونس بن حبيب شيخ سيبويه إمام النحاة، وأستاذ الخليفة العباسي هارون الرشيد.

ثم تبعه العلماء من بعده، فوضعوا رسائل في الاستعارة والكناية لم تميز علم البيان تمييزا خاصا، وبقيت الحال كذلك مدة العصر العباسي الأول.

أما علم المعاني فلم يعرف بالضبط أول من تكلم فيه، وإنما أثر عن بعض فحول الكتاب والخطباء كجعفر بن يحيى١ وسهل بن هارون٢ وغيرهما كلام في هذا النوع من البلاغة، ولكنه لم يطبع هذا العلم بطابع خاص يتميز به عن سواه.

وأول من أسهم لهذا العلم من عنايته، وخصه بمستفيض بحثه، ودون فيه ونظم شيخ حملة القلم، إمام الأدباء وصاحب التصانيف الممتعة


١ أحد وزراء الرشيد.
٢ فارسي الأصل, اتصل بالمأمون فولاه خزانة الحكمة, وكان أديبا شاعرا حكيما يتعصب للعجم على العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>