للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصناعتين وابن رشيق١ صاحب العمدة وغيرهما أنواعا كثيرة بلغت نحو التسعين نوعا.

هذا, ولم تميز هذه العلوم، وتبوب وتفصل إلا في العصر العباسي التالي, وأول من نزع عن قوسه، ورمى إلى هذا الهدف الإمام عبد القاهر شيخ البلاغة المتوفى سنة ٤٧١هـ، فهو أول من هذب المسائل، وضم شتاتها، وأرسى قواعدها، وبوبها فأحسن تبويبها، ورتبها فأبدع ترتيبها، وألف في ذلك كتابيه -أسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز- فكانا أحفل كتابين فيما عرف بعد بالمعاني والبيان, إذ قد جرى فيهما شوطا لم يبلغه أحد ممن سلف. وقد أبان الشيخ عن ذلك كله بإطناب ممتع، وعبارات مصطفاة، مع سلاسة وجودة، ومع عرض لكثير من الأمثلة والشواهد في أسلوب طلبي خطابي يملك الأسماع، ويستولي على القلوب.

ومن هنا عد الشيخ الإمام عبد القاهر واضع هذا الفن عند الجمهرة العظمى من علماء البلاغة.

وبقي الأمر على هذه الحال حتى جاء فارس الحلبة أبو يعقوب يوسف السكاكي المتوفى سنة ٦٢٦هـ, فوضع كتابه "مفتاح العلوم" وجعله ثلاثة أقسام, بسط في القسم الثالث منها مسائل المعاني والبيان بما سمح له أن يقول عن نفسه: إنه قضى بتوفيق الله منهما الوطر, ولم يكن حديث السكاكي في هذه المباحث كحديث عبد القاهر، فقد وضع حدودا استطاع بها أن يفصل بين هذه الأبحاث فخص ما يتعلق برعاية المطابقة لمقتضى الحال "باسم المعاني"، وخص ما يتعلق بإيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة باسم "البيان"، وخص ما يتعلق بتحسين الكلام وتزيينه بعد رعاية المطابقة, ووضوح الدلالة باسم "البديع"، وقد كانت عند عبد القاهر ومن تقدمه


١ هو أبو علي الحسن بن رشيق المتوفى سنة ٤٠٦هـ. ألف كتابه العمدة في محاسن الشعر وآدابه, وتحدث فيه عن البلاغة بأنواعها الثلاثة, وكان كتابه في ذلك خير الكتب علما وإفادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>