للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما هو الرأي الأول- وأن مطابقة الكلام لمقتضى الحال هي كون الكلام الجزئي الصادر من المتكلم، والمشتمل على الشيء الزائد على أصل المعنى مندرجا تحت الكلام الكلي الذي اقتضته الحال، وجزئيا من جزئياته، بمعنى أن الكلي صادق عليه، شامل له ولأمثاله, فإنكار رسالة محمد مثلا "حال". ومقتضى هذا الحال هو مطلق كلام مؤكد بأي نوع من أنواع التوكيد ردا لهذا الإنكار، لا خصوص قولك: "إن محمدا لرسول الله"، ومعنى مطابقة هذا القول لمقتضى الحال الذي هو مطلق الكلام المؤكد: أنه فرد من أفراد هذا المطلق، وجزئي من جزئياته، فوضح الفرق بين القولين. وعلى كل من الرأيين, فالحال لا تختلف إذ هي الأمر الداعي لاعتبار شيء خاص زائد في الكلام, كما سبق. ا. هـ.

الرابع: إنما شرطنا في بلاغة الكلام أن يسلم من العيوب المخلة بفصاحته، وفصاحة أجزائه لتعلم أن البلاغة أخص من الفصاحة، وأن كل كلام بليغ لا بد أن يكون فصيحا، ولا عكس. فإذا قلت لمنكر: "إن أنف هند لمسرج", أو قلت: "والله ليس بقرب قبر حرب قبر"، أو قلت: "إن محمدا لأصفى موددة من أخيه" لم يكن كلامك بليغا رغم أنه مطابق لما تقتضيه حال المخاطب؛ ذلك لفقدان شرط الفصاحة فيه. أما في المثال الأول؛ فلكون بعض أجزائه وحشيا غريبا، وأما في الثاني؛ فلكونه متنافر الكلمات مجتمعة، وأما في الثالث فلكون بعض أجزائه مخالفا لما ثبت عن الواضع، وللقياس الصرفي من وجوب إدغام المثلين المتحركين. وإذا قلت لمن ينكر إمارة شوقي للشعر: "شوقي أمير الشعراء" من غير تأكيد, كان كلامك فصيحا رغم عدم مطابقته لمقتضى حال المخاطب؛ إذ إن حاله تقتضي التأكيد محوا لإنكاره, وإنما كان فصيحا لسلامته من العيوب المخلة بالفصاحة.

فعلم من هذا: أن الكلام لا يكون بليغا حتى يكون فصيحا لأخذ شرط الفصاحة فيه, وهو أن يكون سليما من العيوب المخلة بها, وأن الكلام يكون فصيحا وإن لم يكن بليغا لعدم أخذ شرط البلاغة فيه, وهو أن يكون الكلام مطابقا, وقد وضح لك ذلك من الأمثلة السابقة فتدبره ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>