للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- أن يكون طرفاه مركبين, ومعنى التركيب فيهما أن يقصد إلى عدة أشياء مختلفة في كل من الطرفين، ثم تنتزع منها هيئتان تجعل إحداهما مشبها، والأخرى مشبها به في هيئة تعمهما, كما في قول بشار بن برد:

كأن مثار النقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه١

يصف بشار ملحمة بين جيشين يقتتلان بالسيوف، وفد انعقد عليهما غبار كثيف؛ فهو يشبه الهيئة المنتزعة من السيوف، وقد سلت من أغمادها، وهي تتألق في حركة سريعة مختلفة النواحي، على أشكال متناسبة، وسط غبرة قاتمة قد انعقد فوق الرءوس بالهيئة الحاصلة من النجوم، وهي تتساقط إلى جهات مختلفة في جنح الليل البهيم. ووجه الشبه الهيئة المنتزعة من سقوط أجرام لامعة، مستطيلة متناسبة المقادير، متناثرة في جوانب شيء مظلم, فالمشبه مركب من النقع مثارا فوق الرءوس، ومن السيوف المتلاحمة اللامعة في أثنائه, والمشبه به مركب من الليل، ومن الكواكب المتهاوية في مواقع مختلفة. ومثله تماما قول الشاعر:

كأن دخان العود والند بيننا ... وأقداحنا ليل تهاوى كواكبه


١ "مثار النقع" من إضافة الصفة للموصوف أي: النقع المثار، والواو في "وأسيافنا" بمعنى "مع" فأسيافنا إذًا مفعول معه، ولم يجعل منصوبا "بكأن" عطفا على اسمها الذي هو "مثار" لئلا يتوهم أن في البيت تشبيهين مستقلين, كل منهما تشبيه مفرد بمفرد، وأن المعنى: كأن النقع المثار ليل، وكأن سيوفنا كواكبه, وهذا لا يصح الحمل عليه لما صرحوا به من أنه متى أمكن اعتبار التشبيه مركبا فلا يعدل عنه إلى اعتباره مفردا, إذ تفوت معه الدقة التركيبية المرعية في وجه الشبه، "وتهاوى" فعل مضارع حذفت إحدى تاءيه والأصل تتهاوى, وإنما لم يجعل فعلا ماضيا لما يلزم عليه من الإخلال بما قصده الشاعر من المعنى الدقيق, ذلك أن صيغة المضارع تدل على الاستمرار التجددي وهو أدل على كثرة الحركات، والتساقط في جهات متعددة، بخلاف الفعل الماضي, فإنه -وإن دل على هذا المعنى- لا تجدد فيه ولا استمرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>