للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيهان:

الأول: مما تقدم يعلم أن الفرق بين الوجه المركب من عدة أشياء, وبين المتعدد هو أن المركب منظور فيه إلى مجموع الأشياء، والهيئة المركبة منها بحيث تصير وحدة لا تتجزأ، وبحيث لو حذف أحد هذه الأشياء اختل التشبيه كما في قول بشار: "كأن مثار النقع ... " "البيت" فإن وجه الشبه -كما علمت- هو مجموعة الأمور السابقة, وهي سقوط الأجرام المشرقة, المستطيلة الأشكال, المتناثرة في جوانب شيء مظلم, فلو حذف من هذه المجموعة واحد كالإشراق، أو الاستطالة لم يتم التشبيه بين الطرفين. وكما في قول الآخر: "والبدر في كبد السماء ... " "البيت" فإن وجه الشبه فيه مجموعة الأشياء السابقة من ظهور صورة بيضاء مشرقة مستديرة في رقعة زرقاء, فلو حذف من هذه المجموعة واحد كالاستدارة، أو الإشراق لاختل التشبيه كذلك؛ ذلك أن الغرض تشبيه الطرفين في الهيئة التركيبية المتضامة الأجزاء.

أما الوجه المتعدد, فإن المنظور فيه إلى أمور متعددة يقصد جعل كل واحد منها على استقلاله وجه شبه -عكس الأول- بحيث لو حذف أحدها، أو قدم, أو أخر لم يختل التشبيه كما في المثال السابق في تشبيه فاكهة بأخرى في الطعم، والرائحة، واللون, فإنك لو حذفت اللون مثلا، أو الطعم لم يختل التشبيه؛ إذ ليس الغرض أن يجعل وجه الشبه الهيئة الحاصلة من مجموع هذه الأمور، بل المراد جعل كل واحد منها وجه شبه، من غير أن يتقيد أحدها بالآخر.

ويتبين لك الفرق بينهما جليا في قول الشاعر:

كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ... فلما رأوها أقشعت وتجلت١


١ كما أبرقت, الكاف للتشبيه وما مصدرية وأبرقت بمعنى ظهرت وعرضت, وفي الأساس: أبرقت لي فلانة, إذا تحسَّنت وازَّيَّنت, وهو من باب الحذف والإيصال, فقوله: أبرقت قوما أي: أبرقت لقوم و"أقشعت" بمعنى أقلعت وذهبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>