للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن تشبه العنب بالبرقوق في حجمه، وشكله، ولونه, ففي وجه الشبه بين الطرفين تفصيل ما؛ إذ لوحظ فيه هذه الأمور الثلاثة: الحجم، والشكل، واللون. وهذا يقتضي شيئا من غرابة التشبيه وبعده، ولكن عارض ذلك ما يقتضي قربه وابتذاله، وهو سرعة حضور صورة المشبه به في الذهن عند استحضار صورة المشبه؛ لما بينهما من شدة التجانس، وقوة التناسب, إذ إن العنب والبرقوق من فصيلة واحدة، يجمعهما زمن واحد، وسوق واحدة، فلا أثر للتفصيل في وجه الشبه، مع قوة هذا التجانس المقتضي لسرعة انتقال الذهن إلى المشبه به لظهور الوجه، ووضوحه.

ومثله تشبيه الجرة الصغيرة بالكوز في "المقدار والشكل", فإن سرعة حضور صورة الكوز في الذهن عند استحضاره صورة الجرة؛ لشدة التناسب بين الصورتين عارضت التفصيل في الوجه على نحو ما ذكرنا في المثال الأول, وبهذا سهل انتقال الذهن لوضوح الوجه, ومن هنا كان التشبيه قريبا، مبتذلا.

٣- أن يكون في الوجه شيء من التفصيل -كسابقه- يحتاج إلى تعدد الملاحظة، غير أنه يكثر حضور صورة المشبه به في الذهن مطلقا أي: لا بقيد استحضار صورة المشبه؛ وذلك لكثرة مشاهدة صورة المشبه به، وتكررها على الحس, فإن المشاهد كثيرا يكثر خطوره بالبال عادة, وإذا كثر حضوره في الذهن لكثرة مشاهدته سهل الانتقال إليه عند إرادة التشبيه، ووضح وجه الشبه ومن هنا كان التشبيه قريبا مبتذلا، كما في تشبيه إنسان بالقمر "في الرفعة والهداية"، وكتشبيه المرآة المجلوة بالشمس "في الاستدارة والاستنارة" فإن في وجه الشبه بين الطرفين "في المثالين" شيئا من التفصيل؛ إذ لوحظ فيه أمران: "الرفعة والهداية" في الأول، و"الاستدارة والاستنارة" في الثاني, وهذا يقتضي شيئا من غرابة التشبيه وبعده، ولكن عارض ذلك ما جعله قريبا مبتذلا. وهو كثرة حضور صورة المشبه به في الذهن

<<  <  ج: ص:  >  >>