للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستحي, خرج بهذا التشبيه من ابتذاله إلى مستوى رفيع -على ما قلنا في البيت السابق- ومثل البيتين السابقين قول رشيد الدين:

عزماته مثل النجوم ثواقبا ... لو لم يكن للثاقبات أفول١

فإن تشبيه العزم بالنجم في الثقوب، وهو النفوذ مبتذل قريب؛ لوضوح وجه الشبه، وعدم حاجته إلى توقف، ولكن وصف الأفول، وعروضه للثاقبات دون العزمات، وما في ذلك من الدلالة على أن المشبه أتم من المشبه به في وجه الشبه أبرز التشبيه في صورة ممتنعة، وكساه خيالا بديعا رائعا، وكأنه يقول: هذا التشبيه إنما كان يتم بين الطرفين, لولا اختصاص المشبه بوصف لم يوجد في المشبه به.

ويسمى مثل هذا النوع "بالتشبيه المشروط" أي: المقيد بشرط, كأن تقول: هذا الشيء كهذا الشيء لو كان بصفة كذا، أو لولا أنه على صفة كذا.

والتقييد بالشرط إما أن يكون في المشبه به، أو في المشبه، أو في كليهما، والشرط إما أن يكون وجوديا، أو عدميا٢، وإما مدلولا عليه بصريح اللفظ، أو بسياق الكلام.

فمثال تقييد المشبه به ما تقدم في تشبيه "العزمات بالنجوم" في قول الشاعر السابق؛ فقد قيد المشبه به بعدم الأفول إذ لا يتم


١ عزماته جمع عزمة, وهي التصميم في الإرادة المتعلقة بمعالي الأمور، و"ثواقبا" حال من "النجوم" وصح مجيء الحال من المضاف إليه؛ لأن قوله: "مثل النجوم" في معنى مماثلة النجوم، و"الثواقب": النوافذ في الظلمات بإشراقها, مأخوذة من الثقوب وهو النفوذ, وسمي لمعان النجوم ثقوبا لظهورها من وراء الظلمة, فكأنها ثقبتها، و"الأفول": الغروب, وجواب الشرط محذوف تقديره: لتم التشبيه.
٢ المراد بالعدمي: ما دخل عليه حرف النفي, بخلاف الوجودي.

<<  <  ج: ص:  >  >>