للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التقسيم الثالث]

ينقسم التشبيه باعتبار الطرفين أيضًا أربعة أقسام: ملفوف، ومفروق, وتسوية, وجمع.

فالملفوف: أن يتعدد طرفاه، وبجمع كل طرف مع مثله بأن يؤتى بالمشبهات أولًا، ثم بالمشبهات بها ثانيًا, كقول امرئ القيس يصف عقابًا بكثرة اصطياد الطيور:

كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي١

شبه الرطب الطري من قلوب الطير بالعناب في الشكل والمقدار واللون, وشبه اليابس العتيق منها بالحشف البالي في هذه الثلاثة، وجمع بين المشبهين في المصراع الأول، وبين المشبهين بهما في المصراع الثاني "كما ترى".

وكما تقول: كالقمرين هند وسعاد، أو هما كالشمس والقمر, فقد جمع فيهما كل صنف على حدة, وسمي "ملفوفًا" لأنه من اللف وهو الضم، وقد لف المشبهان "فيما مثلنا" أي: ضم بعضهما إلى بعض, كما لف المشبهان بهما كذلك.

والمفروق: أن يتعدد طرفاه، ويجمع كل طرف منهما مع صاحبه بأن يجمع كل مشبه مع مشبه به, كقول الشاعر:

الخد ورد والصدغ غالية ... والريق خمر والثغر كالدرر١

جمع الشاعر في هذا البيت كل مشبه مع مشبه به كما ترى. وكقول المتنبي:

بدت قمرًا ومالت غصن بان ... وفاحت عنبرًا ورنت غزالا٢

فقد شبه وجهها بالقمر, وقدها بالغصن، وريحها بالعنبر، وطرفها بالغزال، وسمى مفروقًا؛ لأنه لم يجمع فيه بين المشبهات على حدة، ولا بين المشبهات بها كذلك كما في القسم الأول بل فرق بينهما، فوضع كل مشبه به بجوار مشبهه على ما رأيت في البيتين.

والتسوية: أن يتعدد المشبه دون المشبه به, كما في قول الشاعر:

صدغ الحبيب وحالي ... كلاهما كالليالي

وثغره في صفاء ... وأدمعي كاللآلي


١ أراد بالطير الجنس الصادق بالكثير والقليل و"رطبًا ويابسًا" حالان من القلوب، والعامل فيهما "كأن" لتضمنها معنى التشبيه أي: أشبه قلوب الطير حال كون بعضها رطبًا وبعضها يابسًا، والوكر: العش، والعناب: حب أحمر مائل إلى الكدرة في حجم قلوب الطير، والحشف: أردأ التمر.
١ المراد بالصدغ: الشعر المتدلي على الخد، والغالية: نوع من الطيب، والثغر: أراد به الأسنان.
٢ البان: نوع من الشجر, وقوله "رنت" من الرنو كسمو, وهو إدامة النظر.

<<  <  ج: ص:  >  >>