للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذًا يجب أن يكون المشبه به أتم وأشهر من المشبه في هذا المعنى ليتم الغرض, وليس من شك أن مقلة الظبي لما فيها من صفاء السواد، وحسن استدارته أتم وأشهر في هذا المعنى من الوجه الأسود، وأن فيما نراه من قباحة صورة القرد يضحك، والعجوز تلطم وجهها ما لا نجده في صورة من يتحدث مشيرا, مهما قبح منظره، وشاه خلقه, فالقباحة فيهما أتم وأشهر كذلك.

السابع: استطراف المشبه أي: جعله طريفا بديعا, وذلك يكون بواحد من أمرين:

١- أن يبرز في صورة ممتنعة الوجود في الخارج عادة، أو نادرة الحضور في الدهن.

٢- أن يشبه بشيء يندر حضوره في الذهن عند حضور المشبه؛ لما بين الطرفين من بعد المناسبة.

فالأول كما في تشبيه هيئة فحم سرت فيه النار بهيئة بحر من المسك، موجه الذهب, بجامع الهيئة الحاصلة من وجود شيء مضطرب مائل إلى الحمرة، وفي وسط شيء أسود فصورة البحر المذكورة عزيزة الوجود خارجا، ونادرة الحضور في الذهن -كما ترى- فإذا أبرز المشبه التافه الذي لا يؤبه له "كهيئة الفحم المذكور" في صورة شيء نفيس ممتنع الوجود في الخارج، أو نادر الوجود في الخاطر "كالصورة المذكورة للبحر" تخيله السامع طريفا بديعا.

والثاني كما في قول عدي بن الرقاع يصف قرن الغزال:

تزجي أغن كأن إبرة روقه ... قلم أصاب من الدواة مدادها١

شبه الشاعر صورة قرن الغزال، وقد علا طرفه سواد, بصورة قلم


١ تزجي: تسوق, و"الأغن": غزال في صوته غنة، و"روقه": قرنه، وإبرته: طرف القرن، والمداد: الحبر, والدواة: المحبرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>