للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيت الثاني تعارضا لفظا، كما تعارضا معنى فتساقطا وبقي التشابه.

هذا, ويجوز في هذه الحالة أيضا -وهي إرادة التساوي بين شيئين من غير قصد إلى تمييز- الإتيان بصيغة التشبيه لغرض ما, كأن يكون أحد الطرفين موضع حديث المتكلم، أو محل اهتمامه, فيجريه على لسانه أولا، ويجعله مشبها، فإذا كان يتحدث عن الليل يتألق فيه بياض الصبح, صح أن يشبه ذلك بجواد أدهم ذي غرة, كما في قول الشاعر:

والصبح في طرة ليل مسفر ... كأنه غرة مهر أشقر١

وإذا شغف بحب فرسه الدهماء ذات الغرة البيضاء, جاز أن يشبه ذلك بظلمة الليل ينشقّ عنها وجه الصباح كما في قول الشاعر:

وجهه صبح ولكن ... سائر الجسم ظلام

فالشاعر في كلتا الحالين إنما يرمي إلى ما في الطرفين من مجرد ظهور بياض في سواد أكثر منه، من غير قصد إلى قوة أو ضعف, غير أن الأفضل -كما قلنا- هو العدول إلى صيغة "التشابه"؛ لأنها أدل على المراد، وأصرح في معنى التساوي بين الطرفين. وإنما لم يجب العدول إلى صيغة التشابه؛ لما بينّا من أن أحد الطرفين قد يكون موضع اهتمام المتكلم، أو موضع حديثه, فله حينئذ أن يقدمه في مستهل كلامه، ويعرضه في صورة المشبه من غير قصد إلى تمييز بينه وبين المشبه به, كما مثلنا لك.

<<  <  ج: ص:  >  >>