للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما تقول: رأيت كأبي العلاء، أو رأيت أبا العلاء في شعره، كان الكلام تشبيها لا استعارة.

٤- أن يكون المشبه به كليا, حقيقة أو تأويلا, حتى يتأتى ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به، واعتباره فردا من أفراده.

فالكلي الحقيقي كاسم الجنس في مثل "الأسد", فإن معناه كلي يصدق على كثيرين، فيصبح حينئذ جعله استعارة للرجل الجريء باعتباره أحد أفراد الأسد ادعاء كما مثلنا.

والكلي التأويلي كعلم الشخص الذي اشتهر بوصف, بحيث إذا أطلق ذلك العلم فهم منه ذلك الوصف، وصار العلم كأنه موضوع للذات الموصوفة بذلك الوصف "كحاتم" علما على الطائي المعروف١, فإنه اشتهر بالجود، وذاع صيته فيه حتى صار إذا أطلق لفظ "حاتم" فهم منه معنى الجود, فإذا شبه شخص بحاتم في الجود وجب أن يتأمل في حاتم، فيجعل كأنه موضوع لذي الجود مطلقا، وهو -كما ترى- معنى كلي يشمل حاتما الطائي، وغيره من أجاويد الناس، فيصح حينئذ أن يجعل لفظ "حاتم" استعارة لأية ذات كريمة باعتبارها فردا من أفراد حاتم٢ ادعاء، فيقال مثلا: "رأيت اليوم حاتما يعطف على البائسين"، ويراد "محمد الكريم" مثلا, والقرينة هنا هي استحالة وجود شخص حاتم الطائي لانقراضه, وهكذا كل علم شخص اشتهر بنوع من الوصف صح جعله "استعارة" بهذا التأويل المتقدم كمادر٣ "المشتهر بالبخل"، وقس٤ المشتهر بالفصاحة، وباقل٥ الذي اشتهر بالعي والفهاهة، ومن هنا يعلم أن:


١ هو عبد الله بن سعد, المضروب به المثل في الجود والكرم.
٢ هذا التأويل إنما يكون بعد التشبيه، فلا يقال إذا كان المشبه فردا من أفراد المشبه به, فكيف يصح التشبيه حينئذ؟
٣ هو رجل من بني هلال بن عامر بن صعصعة, وهو المضروب به المثل في البخل. قيل: سمي مادرا؛ لأنه سقى إبلا له من حوض, فلما رويت الإبل بقي في أسفل الحوض بقية ماء فسلح فيه ومدر الماء به, أي: خلطه به؛ مخافة أن يستقي من حوضه أحد.
٤ هو قس بن ساعدة الإيادي, أحد خطباء العرب الأعلام في العصر الجاهلي.
٥ هو رجل من إياد كان شديد العي في النطق, حتى كان مضرب المثل فيه. روي أنه اشترى ظبيا بأحد عشر درهما فقيل له: بكم اشتريته؟ ففتح كفيه، وفرق بين أصابعه وأخرج لسانه ليشير بذلك إلى العدد المذكور؛ فانفلت الظبي منه, فضرب به المثل في الفهاهة.

<<  <  ج: ص:  >  >>