للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاستدلال بأن لفظ "أسد" محمول على "خالد"، ووصف له، وهذا يقتضي اتحاد الحقيقتين، ومعلوم أن الإنسان لا ينقلب أسدا, وأن الأسد لا ينقلب إنسانا، فوجب المصير إلى التشبيه. إنما يتم لو كان لفظ "أسد" مستعملا في معناه الحقيقي، وليس كذلك، بل مستعمل في معنى "الجريء" للأدلة التي أوردناها, فحمله حينئذ على "خالد"، أو وصفه به، باعتباره أحد أفراد "الجريء" صحيح, لا ضير فيه لاتحاد الحقيقتين.

وقد يجاب ردا على السعد: بأن الاستعارة لا يجمع فيها بين طرفي التشبيه، وواضح أن في مثل قولنا: "خالد أسد" جمعا بين الطرفين, وقولهم: إن "خالدا" في المثال المذكور ليس مشبها، وإنما المشبه الرجل الجريء، تمحل لا معنى له؛ إذ إن "خالدا" لم يلاحظ باعتبار ذاته، بل باعتبار اتصافه بالجرأة، وهو بهذا الاعتبار مشبه قطعا, ولا دليل لهم فيما أوردوه من نحو: "أسد علي" فإن تعلق الجار "بالأسد" لا باعتبار ذاته، بل باعتبار ما لزمه من وصف الجرأة, ويكفي هذا في صحة التعلق. ويحتمل أن يكون الجار متعلقا بأداة التشبيه المفهومة من التركيب في كل من البيتين؛ لما فيها من معنى الفعل، والمعنى: أنت تشبه الأسد بالنسبة إلي، وحذف ما تعلق به الجار شائع.

وهناك رأي قد يكون قاطعا في المسألة, هو أن الغرض من قولنا: "خالد أسد" ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به, بخلاف نحو قولنا: "رأيت أسدا في حمام" فإن الغرض منه إثبات حكم للمشبه به هو كونه مرئيا في حمام، وكأن ادعاء دخول المشبه في جنسه أمر مقطوع به، مفروغ منه بدليل حذف المشبه من التركيب. كذلك المشبه به في الصورة الأولى ذكر على وجه يصح فيه تقدير أداة التشبيه لفظا, بخلاف المشبه به في الصورة الثانية, فإنه ذكر على وجه لا يفهم منه المشبه إلا بعد التأمل في القرائن، ولا شك أن الخصم لا يسعه إنكار أبلغية الثانية, فهي إذًا أولى أن تسمى "استعارة"، وأن تسمى الأولى تشبيها بليغا.

<<  <  ج: ص:  >  >>