للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستعارة مجاز لغوي, لا عقلي:

اختلف رأي علماء البيان في الاستعارة: هل هي من قبيل المجاز اللغوي, أم من قبيل المجاز العقلي؟

فجمهور البيانيين -ومنهم الخطيب- على أنها مجاز لغوي, أي: إنها لفظ استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة, فالتصرف فيها إنما هو في نقل اللفظ من معناه الموضوع له في اللغة إلى معنى آخر. والدليل على ذلك: أن اللفظ المستعار موضوع -في اللغة- للمشبه به، لا للمشبه، ولا للأعم من المشبه والمشبه به، فلفظ "أسد" من قولنا: "رأيت أسدا يقود الجيش" موضوع -في اللغة- للحيوان المعروف، لا للرجل الجريء، وهو ظاهر، ولا لمعنى أعم منه، ومن الحيوان المعروف كالحيوان الجريء مطلقا, رجلا كان أو أسدا، إذ لو كان موضوعا لمطلق حيوان جريء لكان إطلاقه على كل منهما حقيقة باعتبارهما من أفراد هذا المطلق، وليس الواقع كذلك، وإذا لم يوضع لواحد منهما نقلا عن أئمة اللغة كان استعماله في المشبه إطلاقا للفظ على غير ما وضع له، وهذا هو معنى المجاز اللغوي.

وقيل: إنها من قبيل المجاز العقلي بمعنى: أنها تصرف في أمر عقلي لا لغوي. ودليل هذا القائل: أن من يقول: "رأيت أسدا معتقلا رمحا" إنما يريد أن يثبت معنى الأسدية لرجل جريء مقدام، وأن ينقل هذا الرجل الجريء من نوع الإنسانية إلى جنس الأسد, مدعيا أنه فرد من أفراده حقيقة١, إذ لو لم يكن هذا مراده لزم عليه أمور ثلاثة:


١ من هذا يعلم أن المجاز العقلي يطلق على أمرين: إسناد الشيء إلى غير ما هو له, التصرف في المعاني العقلية على خلاف ما في الواقع والمراد هنا الثاني, وهو ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به، وأنه فرد من أفراده, وإن لم يكن كذلك في الواقع.

<<  <  ج: ص:  >  >>