للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، فجعل اسم جنس موضوعا لمطلق ذات متصفة بالجود، ومن هنا صح جعله استعارة لكل جواد بادعاء دخوله في جنس حاتم، واعتباره فردا من أفراده، وقد سبق لهذا الموضوع بحث. وإجراء الاستعارة فيه، وفي أمثاله أن يقال: شبه فلان الكريم بحاتم بجامع السماحة في كل، ثم ادعي أن هذا الكريم أحد أفراد حاتم باعتبار مفهومه الكلي التأويلي، ثم استعير اسم المشبه به، للمشبه استعارة أصلية؛ لأن اللفظ المستعار وهو "حاتم" اسم جنس تأويلا, إذ يصدق بهذا التأويل على كل فرد من أفراد الكريم، والمستعار في كلا المثالين اسم عين لدلالته على ذات.

وإنما اعتبرت الأعلام التي تضمنت معنى الوصف اسم جنس تأويلا، ولم تعتبر من فصيلة المشتق الآتي بعد؛ لأن الوصف ليس جزء معناها وضعا، بل هو لازم لها، غير داخل في مفهومها. فحاتم مثلا إنما وضع للرجل المعروف باعتبار ذاته، لا باعتبار وصف الجود, إذ إن الجود عرض له، ولزمه فيما بعد، بخلاف المشتق "كالكريم" مثلا, فإنه موضوع للذات باعتبار ما تضمنته من وصف الكرم، فهو داخل في مفهومها وضعا.

ومثال اسم الجنس -وهو اسم معنى- قولك: آلمني قتل زيد أخاه، تريد: إذلاله إياه، ويقال في إجرائها: شبه الإذلال بالقتل بجامع شدة الألم في كل، ثم ادعي أن الإذلال داخل في جنس القتل، وفرد من أفراده، ثم استعير لفظ المشبه به وهو "القتل" للمشبه الذي هو "الإذلال" استعارة أصلية؛ لأن اللفظ المستعار وهو "القتل" اسم جنس معنى.

وسمي هذا القسم من الاستعارة التصريحية "استعارة أصلية" نسبة إلى الأصل بمعنى الكثير الغالب، ولا شك أنها أكثر وجودا في الكلام من التبعية الآتية بعد, أو نسبة إلى الأصل بمعنى ما انبنى عليه غيره، ولا ريب أنها أصل للتبعية لبنائها عليها, على ما سيأتي بيانه قريبا.

<<  <  ج: ص:  >  >>