للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومجلس فسيح، ومنبت طيب، ومفتاح كبير، ومنشار ماضٍ, سيما إذا علمنا أنهم صرحوا بأن المراد بالمشتقات ما عدا هذه الثلاثة. ومقتضى عدم شمول الدليل لها، أو تصريحهم باستثنائها أن تكون الاستعارة فيها أصلية بأن يقدر التشبيه فيها ذاتها، لا في مصادرها, وليس الواقع كذلك للقطع بأنا إذا قلنا: "هذا مقتل فلان" للموضع الذي ضرب فيه ضربا شديدا، و"هذا مرقد فلان" لقبره, فإن المعنى على تشبيه الضرب بالقتل، والموت بالرقاد، وإن الاستعارة في المصدر نفسه، لا في ذات المكان.

فالتعليل الصحيح إذًا في كونها "تبعية" هو ما ذكرنا من جريان الاستعارة في المشتقات, تبعا لجريانها في المصادر؛ لأن المصدر هو المعنى القائم بالذات, فهو أسبق في الاعتبار وأولى.

الاستعارة في الحرف:

مثالها قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} .

اعلم: أن لام العلة موضوعة لترتب ما بعدها على ما قبلها ترتب العلة على المعلول, كما في قولك: "جئت إلى المعهد لأرتشف العلم من مناهله" فإن ارتشاف العلم مترتب على المجيء، وعلة باعثة عليه.

إذا علمت هذا فاعلم: أن "اللام" المذكورة مستعملة في غير ما وضعت له؛ لأن ما بعدها -وإن كان مترتبا على ما قبلها- ليس علة باعثة عليه, ذلك أن آل فرعون لم يلتقطوا موسى -عليه السلام- ليكون لهم عدوا وحزنا، وإنما التقطوه ليكون حبيبا لهم وسرورا, لكن لما كانت النتيجة المترتبة على التقاطهم هي العداوة والحزن، لا المحبة والسرور, شبه العداوة والحزن المترتبان على الالتقاط في الواقع بالمحبة والسرور اللذين كان ينبغي أن يترتبا عليه، ثم استعملت فيه اللام تجوزا.

<<  <  ج: ص:  >  >>