للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} فالضرب -وهو نصب الشيء- من شأن الخيام لا من شأن الذلة والمسكنة؛ إذ هما أمران معنويان, فدل ذلك على أن المراد بالضرب معنى يناسبهما، وهو "الحكم" ويكون المعنى حينئذ: حكم عليهم بالذلة والمسكنة١.

٣- المفعول بأن يكون تسلط الفعل أو ما يشتق منه على المفعول غير صحيح, فيدل ذلك على أن المراد بهما معنى يناسب المفعول. من ذلك قول ابن المعتز الخليفة العباسي:

جمع الحق لنا في إمام ... قتل "البخل" وأحيا "السماحا"

فالقتل والإحياء الحقيقيان لا يقعان إلا على ذي روح، والبخل والسماح ليسا من ذوات الأرواح فعدم صحة إيقاع القتل على البخل، والإحياء على السماح دليل على أن المراد بالقتل معنى يناسب البخل, وهو "الإزالة"، وأن المراد بالإحياء معنى يناسب الجود، وهو "الإكثار", وكأنه قال: أزال البخل وأكثر السماح٢، فالقرينة إذًا هي "البخل" في الأول و"السماح" في الثاني. وقد تكون القرينة المفعول الثاني, كما في قول القطامي من قصيدة:

لم تلق قوما هم شر لإخوتهم ... منا عشية يجري بالدم الوادي


١ شبه الحكم على الشيء بنصب الخيام عليه, بجامع الاشتمال في كل، ثم استعير ضرب الخيام للحكم واشتق منه ضرب بمعنى حكم, على طريق الاستعارة التبعية.
٢ شبه أولا إزالة البخل بالقتل بجامع ما يترتب على كل من العدم، ثم استعير القتل للإزالة، واشتق منه قتل بمعنى أزال، وشبه ثانيا الإكثار من الشيء بإحيائه بجامع شيوع المنفعة في كل، ثم استعير الإحياء للإكثار، واشتق من الإحياء أحيا بمعنى أكثر, على سبيل الاستعارة التبعية في المثالين.

<<  <  ج: ص:  >  >>