للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان الغرض منه تشويه وجه أسود عليه آثار الجدري، فشبه بحمأة جامدة قد نقرتها الديكة، ثم استعير له لفظها، فقيل: رأيت حمأة منقورة، وأريد الوجه الأسود المجدور؛ حسنت الاستعارة لحسن التشبيه لوفائه بالغرض. ولو شبه الوجه المذكور لإفادة هذا الغرض بقطعة منقبة من معدن كريم أسود اللون، ثم استعير له لفظها؛ فات الحسن, وهكذا.

ومن جهات حسن التشبيه أن يكون وجه الشبه غير مبتذل، بأن يكون غريبا لطيفا؛ إما بكثرة ما فيه من التفصيل, أو لكونه نادر الحضور في الذهن، كما سبق في تشبيه "الشمس بالمرآة في كف الأشل"، وتشبيه "زهر البنفسج على سيقانه بأوائل النار في أطراف الكبريت". فإذا استعير لفظ المرآة في كف الأشل للشمس، فقيل: "رأيت مرآة في كف أشل" مرادا به الشمس لقرينة حال، أو استعير لفظ النار مشبوبة في أطراف كبريت لزهر البنفسج فقيل: "رأيت نارا مشبوبة في أطراف كبريت"، وأريد به البنفسج لقرينة حال أيضا؛ حسنت الاستعارة فيهما لحسن التشبيه؛ لما فيه من الدقة بكثرة الاعتبارات في الأول، ولندور حضور المشبه به في الثاني. أما استعارة لفظ "الشمس" للإنسان ذي الوجه المشرق، أو لفظ الأسد للرجل الجريء, فليست بذات حسن؛ لفوات الحسن في التشبيه بسبب ابتذاله لوضوح الوجه فيه.

ويستثنى من جهات حسن التشبيه شيء واحد تحسن فيه الاستعارة، وإن لم يحسن التشبيه, وهو أن يقوى الشبه بين الطرفين جدا حتى ليخيل لك أنهما متحدان كالشبه بين العلم والنور، أو بين الشبهة والظلمة. ففي مثل هذين المثالين تحسن الاستعارة، فتقول: في قلبي نور أي: علم، ولا يحسن التشبيه، فلا تقول: في قلبي علم كالنور، وتقول: في قلبي ظلمة أي: شبهة، ولا يحسن أن تقول: في قلبي شبهة كالظلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>