للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتلويح: كناية كثرت فيها الوسائط بين اللازم, والملزوم كما سبق في نحو: فلان كثير الرماد, وفلان جبان الكلب، مهزول الفصيل، وكقولهم: "فلان كثير الإخوان" كناية عن حسن أخلاقه, فإن الذهن ينتقل أولا من كثرة الإخوان إلى سهولة خلقه، ومنها إلى أنسهم به، وارتياحهم إليه، ثم ينتقل من هذا إلى حسن معاشرته ومعاملته، ثم إلى حسن أخلاقه وطيب أعراقه. وسميت الكناية تلويحا؛ لأن التلويح -في الأصل- أن تشير إلى غيرك من بعد, وكثيرة الوسائط بعيدة الإدراك غالبا.

والرمز: كناية عدمت فيها الوسائط, أو قلت مع خفاء اللزوم. فمثال ما عدمت فيه الواسطة قولهم: فلان عريض القفا, إذ إنهم يكنون بعرض القفا عن البله والبلادة, ومثله قولهم: فلان مكتنز اللحم، أو مفتول الذراعين كناية عن القوة. ومثال ما قلت فيه الواسطة قولهم: فلان عريض الوسادة, فهم يكنون بعرض الوسادة عن عرض القفا، ثم يكنون به عن البله والغباء. واللزوم فيما مثلنا خفي -كما ترى- يحتاج إلى نوع من التأمل، وسميت هذه الكناية "رمزا"؛ لأن الرمز -في الأصل- أن تشير إلى قريب منك خفية بنحو شفة أو حاجب, قال الشاعر:

رمزت إلي مخافة من بعلها ... من غير أن تبدي هناك كلامها

والإيماء أو الإشارة: كناية عدمت وسائطها أو قلت، مع وضوح اللزوم. فمثال ما عدمت فيه الواسطة قولك لآخر: "الحظ حليف الوفي" فتكني بمحالفة الحظ للوفي عن اتصافه بالوفاء. ومثال ما قلت فيه الواسطة قول البحتري:

<<  <  ج: ص:  >  >>