للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكاية عن أمر حاصل، وإنما يقصد به إيجاد أمر لم يحصل، فلفظ "اقرأ" مثلا لم يقصد به أن يكون حكاية عن قراءة حاصلة في الخارج، بل المقصود به طلب إحداث مدلوله، وهو إيجاد القراءة بهذا اللفظ بحيث لا يحصل هذا المعنى بدون النطق به.

على أنه إذا قصد بصيغة الإنشاء أن تكون حكاية للنسبة الخارجية التي هي الطلب القائم بالنفس كان الإنشاء خبرا مجازا، وصار معنى "اقرأ": أنا طالب القراءة، ولكن هذا القصد غير ملاحظ في النسب الإنشائية بخلاف النسب الخبرية لأنها -كما قلنا- حاكية للنسب الخارجية، فالمطابقة بين النسبتين في الخبرية مقصودة البتة.

ومن هنا يتبين أن للإنشاء كما للخبر نسبة خارجية تطابق الكلامية، أو لا تطابقها, أما في الخبر فظاهر، وأما في الإنشاء فبيانه أنك إذا قلت لآخر: "قم" فإن كان في نفسك أن تطلب قيامه، بأن كنت مريدا له حقيقة فقد تطابق النسبتان، وإن لم يكن في نفسك هذا الطلب بأن طلبته على غير إرادة لم تحصل المطابقة, غير أن المطابقة وعدمها في الخبر مقصودة له.

قال بعضهم: والتحقيق أن الإنشاء, وإن كانت له نسبة لكن لا خارج لها؛ لأن النسبة التي لها خارج هي التي تكون حاكية لهذا الخارج، ونسب الإنشاء ليست حاكية، بل موجدة، ولو كان لها خارج لزم أن يتصور فيه الصدق والكذب، واللازم باطل.

وقد عرفت من قريب أن لنسب الإنشاء خارجا هو الطلب النفسي، وأنها حاكية قطعا لهذا الطلب القائم بالنفس غير أن ذلك غير مقصود فيها، وهو محط الفرق بينها وبين النسب الخبرية.

تنبيه:

اعلم أن احتمال الخبر للصدق والكذب منظور فيه إلى ذات الجملة الخبرية بقطع النظر عن المخبر، أو الواقع: إذ لو نظرنا إلى ذلك لوجدنا بعض الأخبار مقطوعا بصدقه، لا يحتمل كذبا، وبعضها مقطوعا بكذبه،

<<  <  ج: ص:  >  >>