للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاص لأحد الجانبين، فلا داعي لتأكيد الحكم له، وشأنه في ذلك شأن خالي الذهن -تلك هي- على ما أعلم وجهة نظر الإمام عبد القاهر١.

فإن كان المخاطب في المثال السابق مترددا في الحكم أي: بين فوز أخيه، وعدم فوزه، بأن بلغه نبأ فوزه، أو إخفاقه ممن لا يثق بخبره حسن منك أن تؤكد له الخبر ليطمئن إلى أحد الأمرين، فتقول له: "إن أخاك فائز في الامتحان" سواء كان المخاطب شاكا أو ظانا على مذهب الجمهور.

وعند الإمام لا يقال ذلك إلا لمن له ميل أكثر إلى أحد الجانبين، وهو عدم الفوز كما سبق بيانه، ويتضح هذا الرأي في قول أبي نواس:

عليك باليأس من الناس ... إن غنى نفسك في اليأس

فإن مثل هذا الخبر مما يبعد في الظن مثله لجزيان العادة على خلافه, إذ إن مجرى العرف والعادة ألا يدع الناس الرجاء والطمع، ويحملوا أنفسهم على اليأس ويجعلوا فيه الغنى كما ادعى. فالرأي الغالب إذا على خلاف هذا، ولذلك قالوا: يحسن موقع "إن" المؤكدة في مثل هذا الخبر ويسمى هذا الضرب: "طلبيا" لأن المخاطب -كما قلنا- طالب وقوفه على حقيقة الأمر.

٣- أن يكون منكرا للحكم المراد إخباره به معتقدا غيره, ومثل هذا المخاطب يجب٢ تأكيد الخبر له تأكيدا يتناسب مع إنكاره قوة وضعفا٣.


١انظر على أي الرأيين يمكن أن يحمل قوله تعالى مخاطبا نوحا عليه السلام: {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} مع ما نعلمه من أن نوحا لم يكن ظانا لعدم غرقهم بل كان مترددا.
٢ التأكيد الواجب والمستحسن في نظر البلغاء سواء؛ لأن المستحسن عندهم واجب, غير أن الفرق بينهما من جهة أن اللوم على ترك المستحسن أخف نوعا من اللوم على ترك الواجب.
٣ أي: لا عددا فقد يطلب للإنكار الواحد تأكيدان مثلا لقوته وللإنكارين ثلاثة تأكيدات لقوتهما، وللثلاثة أربعة تأكيدات كما سيأتي في الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>