للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منفي بها؛ لأنها حرف امتناع، وقد أثبت ذلك العلم لهم في صدر الآية، وهذا بحسب ظاهره تناف، ولأجل التحلل من هذا التنافي، والتوفيق بين ثبوت العلم لهم أولا، ونفيه عنهم ثانيا نزل العلم المثبت لهم منزلة عدمه لعدم جريهم على موجبه إذ لو علموا حقا سوء عاقبة ما فعلوا من إيثارهم كتاب السحر على كتاب الله لأقلعوا عنه.

وإنما كانت الآية نظيرا لما نحن بصدده، وليست مثالا له؛ لأنها ليست من قبيل تنزيل العالم بالفائدة، أو لازمها منزلة الجاهل بهما؛ لأن اليهود ليسوا مخاطبين بالآية، ولم يقصد إعلامهم بها، منزلين منزلة الجاهلين وإنما المخاطب بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كما قدمنا، وهم ليسوا عالمين بفائدة الخبر١.

٢- تنزيل خالي الذهن منزلة المتردد, وذلك إنما يكون حيث يقدم له كلام يلوح بجنس الخبر، ويشير إليه كأن يأتي إليك رجل يتشفع إليك في ابن لك غضبت عليه لسبب ما، فتقول له: "لا تحدثني في شأن هذا الولد العاق إنه مطرود من منزلي"، فقولك: "إنه مطرود" هو الخبر، وقد ألقي لخالي الذهن مؤكدا تنزيلا له منزلة المتردد في الحكم، الطالب لمعرفته.

ذلك لأنه قدم له كلام يشعر بجنس هذا الحكم، وهو قولك أولا: "لا تحدثني في شأن هذا العاق" فإن هذا القول يشعر المخاطب أن المتشفع فيه قد استحق العقاب، وصار في مقام المتردد في نوع هذا العقاب أهو ضرب، أم طرد، أم حرمان من كذا، أم نحو ذلك من أنواع العقاب؟ وكأنه يطلب معرفته لهذا نزل منزلة المتردد، وخوطب خطابه, فخلوا الذهن هو ظاهر حال المخاطب، وهو أمر ثابت فيه متحقق يقتضي


١ قد ينزل وجود الشيء منزلة عدمه كما في قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} فقد نزل الرمي منه -صلى الله عليه وسلم- منزلة العدم باعتبار ما ترتب عليه من الآثار العجيبة التي لا تترتب على فعل غيره من سائر البشر عادة، وهي إصابة جميع الكفار بالتراب في أعينهم، ولهذا نفي عنه بقوله: وما رميت، ثم أثبت له ثانيا بالنظر إلى الظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>