للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمخاطب، وهي وصف ثابت له حقيقة، يقتضي أن يلقى إليه الخبر مؤكدا تأكيدا يناسبه، ولكن غض النظر عن هذه الحال الظاهرة، واعتبر فيه أمر آخر ليس وصفا له في الواقع هو "الإنكار" وخوطب خطاب المنكر.

٥- تنزيل المنكر منزلة المتردد كما في قولك: "إن الأدب نافع" لمن ينكر نفع الأدب، ولكن إنكاره ضعيف يزول بأدنى تأكيد فهذا القول خبر، وقد ألقى للمنكر مؤكدا تأكيدا يلائم المتردد في الحكم تنزيلا له منزلته بسبب ضعف إنكاره حتى كاد يكون مترددا لا منكرا, فالإنكار حال ظاهرة في المخاطب، وهي أمر ثابت فيه حقيقة, يقتضي أن يخاطب خطاب المنكر، فيؤكد له الخبر تأكيدا يتناسب مع إنكاره، لكن صرف النظر عن هذه الحال الظاهرة، وفرض فيه أمر آخر غير متحقق فيه هو "التردد" وخوطب خطابه١.

٦- تنزيل المنكر منزلة خالي الذهن إذا كان الدليل على غير ما يعتقد واضحا، بحيث لو استطاع التأمل فيه لارتدع عن إنكاره كما في قوله تعالى خطابا لمنكر الوحدانية: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فهذا القول خبر، وقد ألقي للمنكر خلوا من التأكيد تنزيلا له منزلة من لم يكن منكرا ولا مترددا, ذلك أن الدليل على الوحدانية قائم بين يديه، لو نظر فيه نظرة عادلة، وأزال تلك الغشاوة من عينيه، والتفت إلى ما يحيط به من الآثار لأذعن عن جحوده, فالإنكار ظاهر حاله، وهو وصف له في الواقع يقتضي أن يلقى إليه الخبر مؤكدا وجوبا، لكن قطع النظر عن هذا الأمر الثابت، وفرض فيه أمر آخر غير متصف به في الواقع، وهو خلو الذهن من الحكم لنكتة وضوح الدليل القائم، بحيث يعتبر الإنكار معه كلا إنكار، وخوطب خطاب غير المنكر, ومثله قوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ} ، ومعناه:


١ قد يقال: أي: ثمرة لتنزيل المنكر منزلة المتردد أو العكس مع أن كليهما يؤكد به القول من غير تنزيل، ويجاب بأن فائدة التنزيل نقص التوكيد في الأول، وزيادته في الثاني فإن المتردد يؤتى معه بتأكيد واحد، ويؤتى مع المنكر بأكثر من ذلك, وهذا الجواب أحسن مما أجاب به بعضهم من أن فائدة التنزيل صيرورة التأكيد مع المنكر واجبا، ومع المتردد مستحسنا إذ الوجوب والاستحسان لا يفهمان من اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>